مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤٩٥
الحكيم وكان على مذهبه فتعظيم اللّه إياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسطاطاليس حق وصدق وذلك مما لا سبيل إليه واللّه أعلم.
المسألة الثالثة : اختلفوا في ذي القرنين هل كان من الأنبياء أم لا؟ منهم من قال : إنه كان نبيا واحتجوا عليه بوجوه. الأول : قوله : إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ والأولى حمله على التمكين في الدين والتمكين الكامل في الدين هو النبوة. والثاني : قوله : وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً ومن جملة الأشياء النبوة فمقتضى العموم في قوله : وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً هو أنه تعالى آتاه في النبوة سببا. الثالث : قوله تعالى : قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً والذي يتكلم اللّه معه لا بد وأن يكون نبيا ومنهم من قال إنه كان عبدا صالحا وما كان نبيا.
المسألة الرابعة : في دخول السين في قوله : سَأَتْلُوا معناه إني سأفعل هذا إن وفقني اللّه تعالى عليه وأنزل فيه وحيا وأخبرني عن كيفية تلك الحال، وأما قوله تعالى : إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ فهذا التمكين يحتمل أن يكون المراد منه التمكين بسبب النبوة ويحتمل أن يكون المراد منه التمكين بسبب الملك من حيث إنه ملك مشارق الأرض ومغاربها والأول أولي لأن التمكين بسبب النبوة أعلى من التمكين بسبب الملك وحمل كلام اللّه على الوجه الأكمل الأفضل أولى ثم قال : وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً قالوا : السبب في أصل اللغة عبارة عن الحبل ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى المقصود وهو يتناول العلم والقدرة والآلة فقوله : وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً معناه : أعطيناه من كل شيء من الأمور التي يتوصل بها إلى تحصيل ذلك الشيء ثم إن الذين قالوا : إنه كان نبيا قالوا : من جملة الأشياء النبوة فهذه الآية تدل على أنه تعالى أعطاه الطريق الذي به يتوصل إلى تحصيل النبوة، والذين أنكروا كونه نبيا قالوا : المراد به وآتيناه من كل شيء يحتاج إليه في إصلاح ملكه سببا، إلا أن لقائل أن يقول : إن تخصيص العموم خلاف الظاهر فلا يصار إليه إلا بدليل، ثم قال : فَأَتْبَعَ سَبَباً ومعناه أنه تعالى لما أعطاه من كل شيء سببه فإذا أراد شيئا أتبع سببا يوصله إليه ويقربه منه قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو فاتبع بتشديد التاء، وكذلك ثم اتبع أي سلك وسار والباقون فأتبع بقطع الألف وسكون التاء مخففة.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٨٦ إلى ٨٨]
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨)
اعلم أن المعنى أنه أراد بلوغ المغرب فأتبع سببا يوصله إليه حتى بلغه، أما قوله : وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ففيه مباحث :
الأول : قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم في عين حامية بالألف من غير همزة أي حارة، وعن أبي ذر، قال : كنت رديف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم على جمل فرأى الشمس حين غابت فقال : أتدري يا أبا ذر أين