مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٥٠٤
رَبِّهِ
والرجاء هو ظن المنافع الواصلة إليه والخوف ظن المضار الواصلة إليه، وأصحابنا حملوا لقاء الرب على رؤيته والمعتزلة حملوه على لقاء ثواب اللّه وهذه المناظرة قد تقدمت والعجب أنه تعالى أورد في آخر هذه السورة ما يدل على حصول رؤية اللّه في ثلاث آيات : أولها : قوله : أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ [الكهف : ١٠٥]. وثانيها : قوله : كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف : ١٠٧] وثالثها : قوله : فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ ولا بيان أقوى من ذلك ثم قال : فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً أي من حصل له رجاء لقاء اللّه فليشتغل بالعمل الصالح، ولما كان العمل الصالح قد يؤتى به للّه وقد يؤتى به للرياء والسمعة لا جرم اعتبر فيه قيدان : أن يؤتى به للّه، وأن يكون مبرأ عن جهات الشرك، فقال : وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً.
قيل : نزلت هذه الآية في جندب بن زهير قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم :«إني أعمل العمل للّه تعالى فإذا اطلع عليه أحد سرني» فقال عليه الصلاة والسلام :«إن اللّه لا يقبل ما شورك فيه» وروي أيضا أنه قال له :«لك أجران أجر السر وأجر العلانية»
فالرواية الأولى محمولة على ما إذا قصد بعمله الرياء والسمعة، والرواية الثانية محمولة على ما إذا قصد أن يقتدى به، والمقام الأول مقام المبتدئين، والمقام الثاني مقام الكاملين والحمد صلّى اللّه عليه وسلم رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
قال المصنف رضي اللّه عنه تم تفسير هذه السورة يوم الثلاثاء السابع عشر من شهر صفر سنة اثنتين وستمائة في بلدة غزنين، ونسأل اللّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، أن يخصنا بالمغفرة والفضل في يوم الدين، إنه ذو الفضل العظيم.


الصفحة التالية
Icon