مفاتيح الغيب، ج ٢٢، ص : ١٥
على معنى الإحسان، وروي أن حكيما ذهب إليه قبيح وحسن والتمسا الوصية فقال للحسن : أنت حسن والحسن لا يليق به الفعل القبيح، وقال للآخر أنت قبيح والقبيح إذا فعل الفعل القبيح عظم قبحه.
فنقول : إلهنا أسماؤك حسنة وصفاتك حسنة فلا تظهر لنا من تلك الأسماء الحسنة والصفات الحسنة إلا الإحسان، إلهنا يكفينا قبح أفعالنا وسيرتنا فلا نضم إليه قبح العقاب ووحشة العذاب. وثالثها :
قوله عليه السلام :«اطلبوا الحوائج عند حسان الوجوه»
إلهنا حسن الوجه عرضي أما حسن الصفات والأسماء فذاتي فلا تردنا عن إحسانك خائبين خاسرين. ورابعها : ذكر أن صيادا كان يصيد السمك فصاد سمكة وكان له ابنة فأخذتها ابنته فطرحتها الماء وقالت : إنها ما وقعت في الشبكة إلا لغفلتها، إلهنا تلك الصبية رحمت غفلة هاتيك السمكة وكانت تلقيها مرة أخرى في البحر ونحن قد اصطادتنا وسوسة إبليس وأخرجتنا من بحر رحمتك فارحمنا بفضلك وخلصنا منها وألقنا في بحار رحمتك مرة أخرى. وخامسها : ذكرت من الأسماء خمسة في الفاتحة، وهي اللَّه والرب والرحمن والرحيم والملك فذكرت الإلهية وهي إشارة إلى القهارية والعظمة فعلم أن الأرواح لا تطيق ذلك القهر والعلو فذكر بعده أربعة أسماء تدل على اللطف، الرب وهو يدل على التربية والمعتاد أن من ربي أحدا فإنه لا يهمل أمره ثم ذكر الرحمن الرحيم وذلك هو النهاية في اللطف والرأفة ثم ختم الأمر بالملك والملك العظيم لا ينتقم من الضعيف العاجز ولأن عائشة قالت لعلي عليه السلام :«ملكت فأسجح فأنت أولى بأن تعفو عن هؤلاء الضعفاء». وسادسها :
عن محمد بن كعب القرظي قال موسى عليه السلام :«إلهي أي خلقك أكرم عليك؟ قال / الذي لا يزال لسانه رطبا من ذكري، قال : فأي خلقك أعلم؟ قال : الذي يلتمس إلى علمه علم غيره، قال :
فأي خلقك أعدل؟ قال : الذي يقضي على نفسه كما يقضي على الناس، قال : فأي خلقك أعظم جرما؟ قال :
الذي يتهمني وهو الذي يسألني ثم لا يرضى بما قضيته له»
.
إلهنا إنا لا نتهمك فإنا نعلم أن كل ما أحسنت به فهو فضل وكل ما تفعله فهو عدل فلا تؤاخذنا بسوء أعمالنا. وسابعها : قال الحسن إذا كان يوم القيامة نادى مناد سيعلم الجمع من أولى بالكرم، أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ فيقومون فيتخطون رقاب الناس، ثم يقال : أين الذين كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللَّه؟ ثم ينادي مناد أين الحامدون اللَّه على كل حال؟ ثم تكون التبعة والحساب على من بقي إلهنا فنحن حمدناك وأثنينا عليك بمقدار قدرتنا ومنتهى طاقتنا فاعف عنا بفضلك ورحمتك. ومن أراد الاستقصاء في الأسماء والصفات فعليه بكتاب لوامع البينات في الأسماء والصفات وباللَّه التوفيق.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٩ إلى ١٢]
وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢)
اعلم أنه تعالى لما عظم حال القران وحال الرسول فيما كلفه اتبع ذلك بما يقوي قلب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ذكر أحوال الأنبياء عليهم السلام تقوية لقلبه في الإبلاغ كقوله : وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ [هود : ١٢٠] وبدأ بموسى عليه السلام لأن المحنة والفتنة الحاصلة له كانت أعظم ليسلي قلب الرسول صلى اللَّه عليه وسلم بذلك ويصبره على تحمل المكاره فقال : وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى وهاهنا مسائل :


الصفحة التالية
Icon