مفاتيح الغيب، ج ٢٢، ص : ١٨
ذلك معجزا. ورابعها : أنه رأى النار في الشجرة الخضراء بحيث أن تلك الخضرة ما كانت تطفئ تلك النار وتلك النار ما كانت تضر تلك الخضرة، وهذا لا يقدر عليه أحد إلا اللَّه سبحانه.
المسألة السابعة : قالوا : إن تكرير الضمير في إِنِّي أَنَا رَبُّكَ كان لتوليد الدلالة وإزالة الشبهة.
المسألة الثامنة : ذكروا في قوله : فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ : وجوها. أحدها :
كانتا من جلد حمار ميت فلذلك أمر بخلعهما صيانة للوادي المقدس ولذلك قال عقيبه : إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً وهذا قول علي عليه السلام
وقول مقاتل والكلبي والضحاك وقتادة والسدي. والثاني : إنما أمر بخلعهما لينال قدميه بركة الوادي وهذا قول الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد. وثالثها : أن يحمل ذلك على تعظيم البقعة من أن يطأها إلا حافيا ليكون معظما لها وخاضعا عند سماع كلام ربه، والدليل عليه أنه تعالى قال عقيبه : إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً وهذا يفيد التعليل فكأنه قال تعالى : اخلع نعليك لأنك بالوادي المقدس طوى. وأما أهل الإشارة فقد ذكروا فيها وجوها : أحدها : أن النعل في النوم يفسر بالزوجة والولد فقوله : فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إشارة إلى أن لا يلفت خاطره إلى الزوجة والولد وأن لا يبقى مشغول القلب بأمرهما. وثانيها : المراد بخلع النعلين ترك الالتفات إلى الدنيا والآخرة كأنه أمره بأن يصير مستغرق القلب بالكلية في معرفة اللَّه تعالى ولا يلتفت بخاطره إلى ما سوى اللَّه تعالى والمراد من الوادي المقدس قدس جلال اللَّه تعالى وطهارة عزته يعني أنك لما وصلت إلى بحر المعرفة فلا تلتفت إلى المخلوقات. وثالثها : أن الإنسان حال الاستدلال على الصانع لا يمكنه أن يتوصل إليه إلا بمقدمتين مثل أن يقول العالم المحسوس محدث أو ممكن وكل ما كان كذلك فله مدبر ومؤثر وصانع وهاتان المقدمتان تشبهان النعلين لأن بهما يتوصل العقل إلى المقصود ويتنقل من النظر في الخلق إلى معرفة الخالق ثم بعد الوصول إلى معرفة الخالق وجب أن لا يبقى ملتفتا إلى تينك المقدمتين لأن بقدر الاشتغال بالغير يبقى محروما عن الاستغراق فيه فكأنه قيل له لا تكن مشتغل القلب والخاطر بتينك المقدمتين فإنك وصلت إلى الوادي المقدس الذي هو بحر معرفة اللَّه تعالى ولجة ألوهيته.
المسألة التاسعة : استدلت المعتزلة بقوله : فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ على أن كلام اللَّه تعالى ليس بقديم إذ لو كان قديما لكان اللَّه قائلا قبل وجود موسى اخلع نعليك يا موسى ومعلوم أن ذلك سفه فإن / الرجل في الدار الخالية إذا قال : يا زيد افعل ويا عمرو لا تفعل مع أن زيدا وعمرا لا يكونان حاضرين بعد ذلك جنونا وسفها فكيف يليق ذلك بالإله سبحانه وتعالى وأجاب أصحابنا عنه من وجهين : الأول : أن كلامه تعالى وإن كان قديما إلا أنه في الأزل لم يكن أمرا ولا نهيا. والثاني : أنه كان أمرا بمعنى أنه وجد في الأزل شيء لما استمر إلى ما لا يزال صار الشخص به مأمورا من غير وقوع التغير في ذلك الشيء كما أن القدرة تقتضي صحة الفعل ثم إنها كانت موجودة في الأزل من غير هذه الصحة فلما استمرت إلى ما لا يزال حصلت الصحة كذا هاهنا وهذا الكلام فيه غموض وبحث دقيق.
المسألة العاشرة : ليس في الآية دلالة على كراهة الصلاة والطواف في النعل والصحيح عدم الكراهة وذلك لأنا إن عللنا الأمر بخلع النعلين بتعظيم الوادي وتعظيم كلام اللَّه كان الأمر مقصورا على تلك الصورة، وإن عللناه بأن النعلين كانا من جلد حمار ميت فجائز أن يكون قد كان محظورا لبس جلد الحمار الميت وإن كان مدبوغا فإن كان كذلك فهو منسوخ
بقوله عليه السلام :«أيما إهاب دبغ فقد طهر»
وقدصلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم في نعليه


الصفحة التالية
Icon