مفاتيح الغيب، ج ٢٢، ص : ٢١
بيانا لمجمل قوله تعالى : أَقِيمُوا الصَّلاةَ [النور : ٥٦] ولهذا قلنا إن الفوائت إذا كانت في حد القلة يجب مراعاة الترتيب فيها وإذا دخلت في حد الكثرة يسقط الترتيب وأما الأثر فما
روي عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أنه قال :«من فاتته صلاة فلم يذكرها إلا في صلاة الإمام فليمض في صلاته فإذا قضى صلاته مع الإمام / يصلي ما فاته ثم ليعد التي صلاها مع الإمام» وقد يروى هذا مرفوعا إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم،
وأما القياس فهو أنهما صلاتان فريضتان جمعهما وقت واحد في اليوم والليلة فأشبهتا صلاتي عرفة والمزدلفة فلما لم يجب إسقاط الترتيب فيهما وجب أن يكون حكم الفوائت فيما دون اليوم والليلة كذلك حجة الشافعي رحمه اللَّه أنه
روى في حديث أبي قتادة :«أنهم لما ناموا عن صلاة الفجر ثم انتبهوا بعد طلوع الشمس أمرهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يقودوا رواحلهم ثم صلاها»
ولو كان وقت التذكر معينا للصلاة لما جاز ذلك فعلمنا أن ذلك الوقت وقت لتقرر الوجوب عليه لكن لا على سبيل التضييق بل على سبيل التوسع إذا ثبت هذا فنقول إيجاب قضاء الفوائت وإيجاب أداء فرض الوقت الحاضر يجري مجرى التخيير بين الواجبين فوجب أن يكون المكلف مخيرا في تقديم أيهما شاء ولأنه لو كان الترتيب في الفوائت شرطا لما سقط بالنسيان ألا ترى أنه إذا صلى الظهر والعصر بعرفة في يوم غيم ثم تبين أنه صلى الظهر قبل الزوال والعصر بعد الزوال فإنه يعيدهما جميعا ولم يسقط الترتيب بالنسيان لما كان شرطا فيهما فههنا أيضا لو كان شرطا فيهما لما كان يسقط بالنسيان.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٥ إلى ١٦]
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦)
[في قوله تعالى إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى ] اعلم أنه تعالى لما خاطب موسى عليه السلام بقوله : فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه : ١٤] أتبعه بقوله : إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها وما أليق هذا بتأويل من تأول قوله لِذِكْرِي أي لأذكرك بالأمانة والكرامة فقال عقيب ذلك : إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لأنها وقت الإثابة ووقت المجازاة ثم قال : أَكادُ أُخْفِيها وفيه سؤالان :
السؤال الأول : هو أن كاد نفيه إثبات وإثباته نفي بدليل قوله : وَما كادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة : ٧١] أي وفعلوا ذلك فقوله : أَكادُ أُخْفِيها يقتضي أنه ما أخفاها وذلك باطل لوجهين، أحدهما : قوله : إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان : ٣٤]. والثاني : أن قوله : لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى إنما يليق بالإخفاء لا بالإظهار.
والجواب : من وجوه، أحدها : أن كاد موضوع للمقاربة فقط من غير بيان النفي والإثبات فقوله : أَكادُ أُخْفِيها معناه قرب الأمر فيه من الإخفاء وأما أنه هل حصل ذلك الإخفاء أو ما حصل فذلك غير مستفاد من اللفظ بل من قرينة قوله : لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى فإن ذلك إنما يليق بالإخفاء لا بالإظهار. وثانيها : أن كاد من اللَّه واجب فمعنى قوله : أَكادُ أُخْفِيها أي أنا أخفيها / عن الخلق كقوله : عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً [الإسراء : ٥١] أي هو قريب قاله الحسن. وثالثها : قال أبو مسلم : أَكادُ بمعنى أريد وهو كقوله : كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ [يوسف : ٧٦] ومن أمثالهم المتداولة لا أفعل ذلك ولا أكاد أي ولا أريد أن أفعله. ورابعها : معناه : أَكادُ أُخْفِيها من نفسي وقيل إنها كذلك في مصحف أبي وفي حرف ابن مسعود : أَكادُ أُخْفِيها من نفسي فكيف أعلنها لكم قال القاضي هذا بعيد لأن الإخفاء إنما يصح فيمن يصلح له الإظهار وذلك مستحيل على اللَّه تعالى لأن كل معلوم معلوم له فالإظهار والإسرار منه مستحيل، ويمكن أن يجاب عنه بأن ذلك واقع على التقدير يعني لو صح مني إخفاؤه على نفسي لأخفيته عني والإخفاء وإن كان محالا في نفسه إلا أنه لا يمتنع أن يذكر ذلك على


الصفحة التالية
Icon