مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١٩٥
هذا يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون تمام قول الذين كفروا أولا أعني هو من كلام من قال : هَلْ نَدُلُّكُمْ ويحتمل أن يكون من كلام السامع المجيب لمن قال : هَلْ نَدُلُّكُمْ كأن السامع لما سمع قول القائل :
هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ قال له : أهو يفتري على اللّه كذبا؟ إن كان يعتقد خلافه، أم به جنة [أي ] جنون؟ إن كان لا يعتقد خلافه (و في هذا لطيفة) : وهي أن الكافر لا يرضى بأن يظهر كذبه، ولهذا قسم ولم يجزم بأنه مفتر، بل قال مفتر أو مجنون، احترازا من أن يقول قائل كيف يقول بأنه مفتر، مع أنه جائز أن يظن أن الحق ذلك فظن الصدق يمنع تسمية القائل مفتريا وكاذبا في بعض المواضع، ألا ترى أن من يقول جاء زيد، فإذا تبين أنه لم يجيء وقيل له كذبت، يقول ما كذبت، وإنما سمعت من فلان أنه جاء، فظننت أنه صادق فيدفع الكذب عن نفسه بالظن، فهم احترزوا عن تبين كذبهم، فكل عاقل ينبغي أن يحترز عن ظهور كذبه عند الناس، ولا يكون العاقل أدنى درجة من الكافر، ثم إنه تع كان من جانبهم فقال :
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ١٦ إلى ١٧]
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧)