مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ٢٠٧
وجهه ونذكر هاهنا أنهم لما طلبوا الاستعجال بين أنه لا استعجال فيه كما لا إمهال، وهذا يفيد عظم الأمر وخطر الخطب، وذلك لأن الأمر الحقير إذا طالبه طالب من غيره لا يؤخره ولا يوقفه على وقت بخلاف الأمر الخطير وفي قوله تعالى : لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ قراءات أحدها : رفعهما مع التنوين وعلى هذا يوم بدل وثانيها :
نصب يوم مع رفع ميعاد والتنوين فيهما ميعاد يوما قال الزمخشري ووجهه أنه منصوب بفعل محذوف كأنه قال ميعاد أعني يوما وذلك يفيد التعظيم والتهويل، ويحتمل أن يقال نصب على الظرف تقديره لكم ميعاد يوما / كما يقول القائل : أنا جائيك يوما وعلى هذا يكون العامل فيه العلم كأنه يقول لكم ميعاد تعلمونه يوما وقوله معلوم يدل عليه كقول القائل إنه مقتول يوما الثالثة : الإضافة لكم ميعاد يوم كما في قول القائل سحق ثوب للتبيين وإسناد الفعل إليهم بقوله : لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ بدلا عن قوله : لا يؤخر عنكم زيادة تأكيد لوقوع اليوم.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٣١]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١)
ثم قال تعالى : وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ لما بين الأمور الثلاثة من التوحيد والرسالة والحشر وكانوا بالكل كافرين بين كفرهم العام بقوله : وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وذلك لأن القرآن مشتمل على الكل وقوله : وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ المشهور أنه التوراة والإنجيل، وعلى هذا فالذين كفروا المراد منهم المشركون المنكرون للنبوات والحشر، ويحتمل أن يقال إن المعنى هو أنا لا نؤمن بالقرآن أنه من اللّه ولا بالذي بين يديه أي ولا بما فيه من الإخبارات والمسائل والآيات والدلائل، وعلى هذا فالذين كفروا المراد منهم العموم، لأن أهل الكتاب لم يؤمنوا بالقرآن أنه من اللّه ولا بالذي فيه من الرسالة وتفاصيل الحشر، فإن قيل : أليس هم مؤمنون بالوحدانية والحشر، فنقول إذا لم يصدق واحد ما في الكتاب من الأمور المختصة به يقال فيه إنه لم يؤمن بشيء منه وإن آمن ببعض ما فيه لكونه في غيره فيكون إيمانه لا بما فيه.
مثاله : أن من يكذب رجلا فيما يقوله فإذا أخبره بأن النار حارة لا يكذبه فيه ولكن لا يقال إنه صدقه لأنه إنما صدق نفسه، فإنه كان عالما به من قبل وعلى هذا فقوله بين يديه أي الذي هو مشتمل عليه من حيث إنه وارد فيه.
وقوله تعالى : وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ.
لما وقع اليأس من إيمانهم في هذه الدار بقولهم لن نؤمن فإنه لتأييد النفي وعد نبيه عليه الصلاة والسلام بأنه يراهم على أذل حال موقوفين للسؤال يرجع بعضهم إلى بعض القول كما يكون عليه حال جماعة أخطئوا في أمر يقول بعضهم كان ذلك بسببك ويرد عليه الآخر مثل ذلك، وجواب لو محذوف، تقديره : ولو ترى إذ الظالمون موقوفون لرأيت عجبا، ثم بدأ بالأتباع لأن المضل أولى بالتوبيخ فقال : يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ إشارة إلى أن / كفرهم كان لمانع لا لعدم المقتضى لأنهم لا يمكنهم أن يقولوا


الصفحة التالية
Icon