مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ٦٨
السيارة واستقامتها فرجوعها هو الخنوس وكنوسها اختفاؤها تحت ضوء الشمس، ولا شك أن هذه حالة عجيبة وفيها أسرار عظيمة باهرة القول الثاني : ما
روي عن علي عليه السلام وعطاء ومقاتل وقتادة أنها هي جميع الكواكب وخنوسها عبارة عن غيبوبتها عن البصر في النهار وكنوسها عبارة عن ظهورها للبصر في الليل
أي تظهر في أماكنها كالوحش في كنسها والقول الثالث : أن السبعة السيارة تختلف مطالعها ومغاربها على ما قال تعالى :
بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ [المعارج : ٤٠] ولا شك أن فيها مطلعا واحدا ومغربا واحدا هما أقرب المطالع والمغارب إلى سمت رؤوسنا، ثم إنها تأخذ في التباعد من ذلك المطلع إلى سائر المطالع طول السنة، ثم ترجع إليه فخنوسها عبارة عن تباعدها عن ذلك المطلع، وكنوسها عبارة عن عودها إليه، فهذا محتمل فعلى القول الأول يكون القسم واقعا بالخمسة المتحيرة، وعلى القول الثاني يكون القسم واقعا بجميع الكواكب وعلى هذا الاحتمال الذي ذكرته يكون القسم واقعا بالسبعة السيارة واللّه أعلم بمراده.
والقول الثاني : أن بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ وهو قول ابن مسعود والنخعي أنها بقر الوحش، وقال سعيد بن جبير : هي الظباء، وعلى هذا الخنس من الخنس في الألف وهو تقعير في الأنف فإن البقر والظباء أنوفها على هذه الصفة والْكُنَّسِ جمع كانس وهي التي تدخل الكناس والقول هو الأول، والدليل عليه أمران :/ الأول : أنه قال بعد ذلك :
[سورة التكوير (٨١) : آية ١٧]
وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧)
وهذا بالنجوم أليق منه ببقر الوحش.
الثاني : أن محل قسم اللّه كلما كان أعظم وأعلى رتبة كان أولى، ولا شك أن الكواكب أعلى رتبة من بقر الوحش.
الثالث : أن (الخنس) جمع خانس من الخنوس، وإما جمع خنساء وأخنس من الخنس خنس بالسكون والتخفيف، ولا يقال : الخنس فيه بالتشديد إلا أن يجعل الخنس في الوحشية أيضا من الخنوس وهو اختفاؤها في الكناس إذا غابت عن الأعين.
قوله تعالى : وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ ذكر أهل اللغة أن عسعس من الأضداد، يقال : عسعس الليل إذا أقبل، وعسعس إذا أدبر، وأنشدوا في ورودها بمعنى أدبر قول العجاج :
حتى إذا الصبح لها تنفسا وانجاب عنها ليلها وعسعسا
وأنشد أبو عبيدة في معنى أقبل :
مدرجات الليل لما عسعسا
[سورة التكوير (٨١) : آية ١٨]
وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١٨)
ثم منهم من قال : المراد هاهنا أقبل الليل، لأن على هذا التقدير يكون القسم واقعا بإقبال الليل وهو قوله :
إِذا عَسْعَسَ وبإدباره أيضا وهو قوله : وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ ومنهم من قال : بل المراد أدبر وقوله : وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ أي امتد ضوءه وتكامل فقوله : وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ [التكوير : ١٧] إشارة إلى أول طلوع الصبح،