مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ٧٧
وإعلاء قدره وأظهر روحه من بين جماله وجلاله، وتوجه بتاج الكرامة وزينه برداء الجلال والهيبة. قوله تعالى :
[سورة الانفطار (٨٢) : آية ٩]
كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩)
اعلم أنه سبحانه لما بين بالدلائل العقلية على صحة القول / بالبعث والنشور على الجملة، فرع عليها شرح تفاصيل الأحوال المتعلقة بذلك، وهو أنواع :
النوع الأول : أنه سبحانه زجرهم عن ذلك الاغترار بقوله : كَلَّا وبَلْ حرف وضع في اللغة لنفي شيء قد تقدم وتحقق غيره، فلا جرم ذكروا في تفسير كَلَّا وجوها الأول : قال القاضي : معناه أنكم لا تستقيمون على توجيه نعمي عليكم وإرشادي لكم، بل تكذبون بيوم الدين الثاني : كلا أي ارتدعوا عن الاغترار بكرم اللّه، ثم كأنه قال : وإنكم لا ترتدعون عن ذلك بل تكذبون بالدين أصلا الثالث : قال القفال : كلا أي ليس الأمر كما تقولون من أنه لا بعث ولا نشور، لأن ذلك يوجب أن اللّه تعالى خلق الخلق عبثا وسدى، وحاشاه من ذلك، ثم كأنه قال : وإنكم لا تنتفعون بهذا البيان بل تكذبون، وفي قوله : تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وجهان الأول : أن يكون المراد من الدين الإسلام، والمعنى أنكم تكذبون بالجزاء على الدين والإسلام الثاني : أن يكون المراد من الدين الحساب، والمعنى أنكم تكذبون بيوم الحساب. النوع الثاني : قوله تعالى :
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١٠ إلى ١٢]
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢)
والمعنى التعجب من حالهم، كأنه سبحانه قال : إنكم تكذبون بيوم الدين وهو يوم الحساب والجزاء، وملائكة اللّه موكلون بكم يكتبون أعمالكم حتى تحاسبوا بها يوم القيامة، ونظيره قوله تعالى : عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق : ١٧، ١٨] وقوله تعالى : وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً [الأنعام : ٦١] ثم هاهنا مباحث :
الأول : من الناس من طعن في حضور الكرام الكاتبين من وجوه : أحدها : أن هؤلاء الملائكة، إما أن يكونوا مركبين من الأجسام اللطيفة كالهواء والنسيم والنار، أو من الأجسام الغليظة، فإن كان الأول لزم أن تنتقض بنيتهم بأدنى سبب من هبوب الرياح الشديدة وإمرار اليد والكم والسوط في الهواء، وإن كان الثاني وجب أن نراهم إذ لو جاز أن يكونوا حاضرين ولا نراهم، لجاز أن يكون بحضرتنا شموس وأقمار وفيلات وبوقات، ونحن لا نراها ولا نسمعها وذلك دخول في التجاهل، وكذا القول في إنكار صحائفهم وذواتهم وقلمهم وثانيها : أن هذا الاستكتاب إن كان خاليا عن الفوائد فهو عبث وذلك غير جائز على اللّه تعالى، وإن كان فيه فائدة فتلك الفائدة، إما أن تكون عائدة إلى اللّه تعالى أو إلى العبد والأول : محال لأنه متعال عن النفع والضر، وبهذا يظهر بطلان قول من يقول : إنه تعالى إنما استكتبها خوفا من النسيان الغلط والثاني : أيضا محال، لأن أقصى ما في الباب أن يقال : فائدة هذا الاستكتاب أن يكونوا شهودا على الناس وحجة عليهم يوم القيامة إلا أن هذه الفائدة ضعيفة، لأن الإنسان الذي علم أن اللّه تعالى لا يجور ولا يظلم، لا يحتاج في حقه إلى إثبات هذه