مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ٨١
الأمر ظرفا ترك على حالة الأكثرية، والدليل عليه إجماع القراء والعرب في قوله : مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ [الأعراف : ١٦٨] ولا يرفع ذلك أحد. ومما يقوي النصب قوله : وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ [القارعة : ٣، ٤] وقوله : يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [الذاريات : ١٢، ١٣] فالنصب في يَوْمَ لا تَمْلِكُ مثل هذا.
المسألة الرابعة : تمسكوا في نفي الشفاعة للعصاة بقوله : يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وهو كقوله تعالى : وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً [البقرة : ٤٨] والجواب : عنه قد تقدم في سورة البقرة.
المسألة الخامسة : أن أهل الدنيا كانوا يتغلبون على الملك ويعين بعضهم بعضا في أمور، ويحمي بعضهم بعضا، فإذا كان يوم القيامة بطل ملك بنى الدنيا وزالت رئاستهم، فلا يحمي أحد أحدا، ولا يغني أحد عن أحد، ولا يتغلب أحد على ملك، ونظيره قوله : وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ وقوله : مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة : ٤] وهو وعيد عظيم من حيث إنه عرفهم أنه لا يغني عنهم إلا البر والطاعة يومئذ دون سائر ما كان قد يغني عنهم في الدنيا من مال وولد وأعوان وشفعاء. قال الواحدي : والمعنى أن اللّه تعالى لم يملك في ذلك اليوم أحدا شيئا من الأمور، كما ملكهم في دار الدنيا. قال الواسطي : في قوله : يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً إشارة إلى فناء غير اللّه تعالى، وهناك تذهب الرسالات والكلمات والغايات، فمن كانت صفته في الدنيا كذلك كانت دنياه أخراه.
وأما قوله : وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ فهو إشارة إلى أن البقاء والوجود للّه، والأمر كذلك في الأزل وفي اليوم وفي الآخرة، ولم يتغير من حال إلى حال، فالتفاوت عائد إلى أحوال الناظر، لا إلى أحوال المنظور إليه، فالكاملون لا تتفاوت أحوالهم بحسب تفاوت الأوقات، كما
قال : لو كشف / الغطاء ما ازددت يقينا،
وكحارثة لما أخبر بحضرة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :«كأني أنظر وكأني وكأني»
واللّه سبحانه وتعالى أعلم، والحمد للّه رب العالمين.


الصفحة التالية
Icon