مكة الطعام وما يعاش به، فكان ذلك أعود عليهم مما خافوا العيلة لفواته. وعن ابن عباس رضى اللّه عنه : ألقى الشيطان في قلوبهم الخوف وقال : من أين تأكلون؟ فأمرهم اللّه بقتال أهل الكتاب وأغناهم بالجزية. وقيل : بفتح البلاد والغنائم. وقرئ : عائلة، بمعنى المصدر كالعافية، أو حالا عائلة. ومعنى قوله إِنْ شاءَ اللّه. إن أوجبت الحكمة إغناءكم وكان مصلحة لكم في دينكم إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بأحوالكم حَكِيمٌ لا يعطى ولا يمنع إلا عن حكمة وصواب.
[سورة التوبة (٩) : آية ٢٩]
قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩)
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بيان للذين مع ما في حيزه. نفى عنهم الإيمان باللّه لأنّ اليهود مثنية والنصارى مثلثة. وإيمانهم باليوم الآخر لأنهم فيه على خلاف ما يجب وتحريم ما حرم اللّه ورسوله، لأنهم لا يحرمون ما حرم في الكتاب والسنة. وعن أبى روق : لا يعملون بما في التوراة والإنجيل، وأن يدينوا دين الحق، وأن يعتقدوا دين الإسلام الذي هو الحق وما سواه الباطل. وقيل : دين اللّه، يقال : فلان يدين بكذا إذا اتخذه دينه ومعتقده. سميت جزية، لأنها طائفة مما على أهل الذمة أن يجزوه أى يقضوه، أو لأنهم يجزون بها من منّ عليهم بالإعفاء عن القتل عَنْ يَدٍ إما أن يراد يد المعطى أو الآخذ «١» فمعناه على إرادة يد المعطى حتى يعطوها عن يد : أى عن يد مؤاتية غير ممتنعة «٢» لأنّ من أبى وامتنع لم يعط يده، بخلاف المطيع المنقاد، ولذلكقالوا : أعطى، بيده، إذا انقاد وأصحب «٣». ألا ترى إلى قولهم. نزع يده عن الطاعة، كما يقال : خلع ربقة الطاعة عن عنقه، أو حتى يعطوها عن يد إلى يد نقداً غير نسيئة، لا مبعوثا على يد أحد. ولكن عن يد المعطى إلى يد الآخذ، وأما على إرادة يد الآخذ فمعناه حتى يعطوها «٤» عن يد قاهرة مستولية، أو عن إنعام عليهم. لأن قبول الجزية منهم وترك أرواحهم
(١). قال محمود :«إما أن يراد يد المعطى أو الأخذ... الخ» قال أحمد :
فيكون كاليد في قوله عليه السلام «لا تبيعوا الذهب | إلى قوله إلا يدا بيد». |
والعامة تقول : وأتيته. (ع)
(٣). قوله «و أصحب» أى سهل بعد صعوبة. انتهى صحاح. (ع)
(٤). عاد كلامه قال : وإن أريد به الآخذ فمعناه حتى يعطوها... الخ» قال أحمد : وهذا الوجه أملأ بالفائدة، واللّه أعلم.