من جعل «لا» مزيدة في قراءة الفتح وقرئ : وما يشعرهم أنها إذا جاءت لا يؤمنون. أى يحلفون بأنهم يؤمنون عند مجيئها. وما يشعرهم أن تكون قلوبهم حينئذ كما كانت عند نزول القرآن وغيره من الآيات مطبوعا عليها فلا يؤمنوا بها.
[سورة الأنعام (٦) : آية ١١٠]
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ... وَنَذَرُهُمْ عطف على يؤمنون، داخل في حكم وما يشعركم، بمعنى :
وما يشعركم أنهم لا يؤمنون، وما يشعركم اما نقلب أفئدتهم وأبصارهم : أى نطبع على قلوبهم وأبصارهم فلا يفقهون ولا يبصرون الحق كما كانوا عند نزول آياتنا. أو لا يؤمنون بها لكونهم مطبوعا على قلوبهم، وما يشعركم أنا نذرهم في طغيانهم أى نخليهم وشأنهم لا نكفهم عن الطغيان حتى يعمهوا «١» فيه. وقرئ : ويقلب. ويذرهم بالياء أى اللّه عزّ وجلّ. وقرأ الأعمش : وتقلب أفئدتهم وأبصارهم، على البناء للمفعول.
[سورة الأنعام (٦) : آية ١١١]
وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١)
وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ كما قالوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ، وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى كما قالوا : فَأْتُوا بِآبائِنا، وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا كما قالوا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا قبلا كفلاء بصحة ما بشرنا به وأنذرنا، أو جماعات. وقيل قُبُلًا مقابلة. وقرئ قُبُلًا أى عيانا «٢» إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ مشيئة إكراه واضطرار «٣» وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ فيقسمون

__
(١). قوله «حتى يعمهوا فيه» أى يتحيروا. (ع)
(٢). قوله «و قرئ قبلا أى عيانا» في الصحاح : رأيته قبلا وقبلا - بالضم - أى مقابلة وعيانا. ورأيته قبلا - بكسر القاف - قال اللّه تعالى أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا أى عيانا. (ع)
(٣). قال محمود :«معناه إلا أن يشاء اللّه مشيئة إكراه واضطرار... الخ قال أحمد : بل المراد إلا أن يشاء اللّه منهم اختيار الايمان، فانه تعالى لو شاء منهم اختيارهم للايمان لاختاروه وآمنوا حتما. ما شاء اللّه كان. والزمخشري بنى على القاعدة الفاسدة في اعتقاده أن اللّه تعالى شاء منهم الايمان اختياراً فلم يؤمنوا، إذ لا يجب على زعم طائفته نفوذ المشيئة، ولا يطلقون القول كما أطلقه سلف هذه الأمة وحملة شريعتها. من قولهم : ما شاء اللّه كان وما لم يشأ لم يكن، بل يقولون إن أكثر ما شاءه لم يقع، إذ شاء الايمان والصلاح من جميع الخلق، فلم يؤمن ويعمل الصالح إلا القليل، وقليل ما هم. وهذا كله مما يتعالى اللّه عنه علواً كبيراً، فإذا صد منهم مثل هذه الآية بالرد تحيلوا في المدافعة بحمل للمشيئة المنفية على مشيئة القسر والاضطرار، وإنما لم يتم لهم ذلك أن لو كان القرآن يتبع الآراء، وأما وهو القدوة والمتبوع، فما خالفه حينئذ وتزحزح عنه فالى النار، وما بعد الحق إلا الضلال، واللّه الموفق للصواب.


الصفحة التالية
Icon