مع صاحبه لأبصر أعجب الأعاجيب «١».
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٧]
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧)
أَهْلَ قَرْيَةٍ هي أنطاكية. وقيل : الأبلة، وهي أبعد أرض اللّه من السماء أَنْ يُضَيِّفُوهُما وقرئ : يضيفوهما. يقال : ضافه إذا كان له ضيفا. وحقيقته : مال إليه، من ضاف السهم عن الغرض، ونظيره : زاره، من الازورار. وأضافه وضيفه : أنزله وجعله ضيفه.
وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم : كانوا أهل قرية لئاما «٢». وقيل شر القرى التي لا يضاف الضيف فيها ولا يعرف لابن السبيل حقه يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ استعيرت الإرادة للمداناة والمشارفة، كما استعير الهمّ والعزم لذلك. قال الراعي :
في مهمه قلقت به هاماتها قلق الفئوس إذا أردن نصولا «٣»
وقال :
يريد الرّمح صدر أبى براء ويعدل عن دماء بنى عقيل «٤»
وقال حسان :
إنّ دهرا يلفّ شملى بجمل لزمان يهمّ بالإحسان «٥»

__
(١). أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان. من رواية حمزة الزيات. عن أبى إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبى. في أثناء حديث. وأصله في مسلم.
(٢). أخرجه النسائي من رواية إسرائيل عن ابن إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، في قوله فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما. قال «كانوا أهل قرية لئاما» وهو في مسلم بلفظ فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ لئاما.
(٣). للراعي يصف الإبل بأنها في مهمه : أى مفازة، قلقت : أى تحركت فيه هاماتها : أى رءوسها. قلق الفئوس : أى كتحرك الفئوس جمع فأس وهي آلة الحفر، إذا أردن : أى الفئوس، نصولا : أى قربن منه، فالارل مجاز مرسل، ونصولها : خروج الحديدة من المقبض. والنصول في كل شيء : الخروج، والانصال : الإخراج، ولقد شبه رءوس الإبل مع أعناقها بالفئوس.
(٤). الارادة هنا مجاز عن التوجه. ويجوز أن الاسناد مجاز، لأن المريد صاحب الرمح. والأوجه أنه شبه الرمح بإنسان على طريق المكنية، وإسناد الارادة والعدول إليه تخييل، أى : يريد أن يشرب من صدر أبى براء، لا من دماء هؤلاء.
(٥). لحسان بن ثابت، ولففت الشيء : طويته وأدرجته، من باب رد. والشمل. المتفرق، ويطلق على المجتمع من الأمور. وجمل : اسم محبوبته. ويروى : بسعدى. يقول : إن الدهر الذي يجمع شملى بمحبوبتى لدهريهم بالإحسان ويريده، وهم من باب رد أيضا، أى : دهر يريد الإحسان لا الاساءة كعادة الدهر، فشبه الزمان بإنسان يصح منه إرادة الإحسان على طريق المكنية، والهم تخييل. ويحتمل أن إسناد الهم له مجاز عقلى كاسناد اللف، وهما في الحقيقة للّه.


الصفحة التالية
Icon