وَجاهِدُوا أمر بالغزو وبمجاهدة النفس والهوى وهو الجهاد الأكبر. عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه رجع من بعض غزواته فقال «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر «١»» فِي اللَّهِ أى في ذات اللّه ومن أجله. يقال : هو حق عالم، وجدّ عالم، أى : عالم حقا وجدا.
ومنه حَقَّ جِهادِهِ. فإن قلت : ما وجه هذه الإضافة، وكان القياس : حق الجهاد فيه. أو حق جهادكم فيه، كما قال وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ؟ قلت : الإضافة تكون بأدنى ملابسة واختصاص، فلما كان الجهاد مختصا باللّه من حيث أنه مفعول لوجهه ومن أجله، صحت إضافته إليه. ويجوز أن يتسع في الظرف كقوله :
ويوما شهدناه سليما وعامرا «٢»
اجْتَباكُمْ اختاركم لدينه ولنصرته وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ فتح باب التوبة للمجرمين، وفسح بأنواع الرخص والكفارات والديات والأروش. ونحوه قوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وأمّة محمد صلى اللّه عليه وسلم هي الأمة المرحومة الموسومة بذلك في الكتب المتقدمة.
نصب الملة بمضمون ما تقدّمها. كأنه قيل : وسع دينكم توسعة ملة أبيكم، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. أو على الاختصاص، أى : أعنى بالدين ملة أبيكم كقولك : الحمد للّه الحميد. فإن قلت : لم يكن إِبْراهِيمَ أبا للأمّة كلها. قلت : هو أبو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فكان أبا لأمته، لأنّ أمة الرسول في حكم أولاده هُوَ يرجع إلى اللّه تعالى : وقيل :
إلى إبراهيم. ويشهد للقول الأوّل قراءة أبىّ بن كعب : اللّه سماكم مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا أى من قبل القرآن في سائر الكتب وفي القرآن، أى : فضلكم على الأمم وسماكم بهذا الاسم الأكرم لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ أنه قد بلغكم وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ بأنّ الرسل قد بلغتهم. وإذ خصكم بهذه الكرامة والأثرة، فاعبدوه وثقوا به ولا تطلبوا النصرة والولاية إلا منه، فهو خير مولى وناصر.
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«من قرأ سورة الحج أعطى من الأجر كحجة حجها وعمرة اعتمرها بعدد من حج واعتمر فيما مضى وفيما بقي «٣»».

__
(١). هكذا ذكره الثعلبي بغير سند، وأخرجه البيهقي في الزهد من حديث جابر، قال «قدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قوم غزاة. فقال : قدمتم بخير مقدم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر. قيل : وما الجهاد الأكبر؟ قال : مجاهدة العبد هواه» قال : فيه ضعف، قلت : هو من رواية عيسى بن إبراهيم عن يحيى بن يعلى عن ليث ابن أبى سليم، والثلاثة ضعفاء، وأورده النسائي في الكنى من قول إبراهيم بن أبى عبلة، أحد التابعين من أهل الشام.
(٢). تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الثاني صفحة ٤٠٨ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٣). أخرجه الثعلبي وابن مردويه من حديث أبى بن كعب بالإسناد المذكور في سورة آل عمران.


الصفحة التالية
Icon