[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٥٧ إلى ٥٨]

إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨)
يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فيه وجهان، أحدهما : أن يعبر بإيذائهما عن فعل ما يكرهانه ولا يرضيانه :
من الكفر والمعاصي، وإنكار النبوّة، ومخالفة الشريعة، وما كانوا يصيبون به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أنواع المكروه، على سبيل المجاز. وإنما جعلته مجازا فيهما جميعا. وحقيقة الإيذاء صحيحة في رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لئلا أجعل العبارة الواحدة معطية معنى المجاز والحقيقة. والثاني : أن يراد يؤذون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقيل في أذى اللّه : هو قول اليهود والنصارى والمشركين : يد اللّه مغلولة وثالث ثلاثة والمسيح ابن اللّه والملائكة بنات اللّه والأصنام شركاؤه. وقيل : قول الذين يلحدون في أسمائه وصفاته. وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما حكى عن ربه «شتمني ابن آدم ولم ينبغ له أن يشتمني، وآذاني ولم ينبغ له أن يؤذيني. فأما شتمه إياى فقوله : إنى اتخذت ولدا. وأما أذاه فقوله : إن اللّه لا يعيدني بعد أن بدأنى» وعن عكرمة : فعل أصحاب التصاوير الذين يرومون تكوين خلق مثل خلق اللّه «١»، وقيل في أذى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قولهم : ساحر، شاعر، كاهن، مجنون. وقيل : كسر رباعيته وشج وجهه يوم أحد. وقيل : طعنهم عليه في نكاح صفية بنت حيي، وأطلق إيذاء اللّه ورسوله، وقيد إيذاء المؤمنين والمؤمنات لأن أذى اللّه ورسوله لا يكون إلا غير حق أبدا.
وأما أذى المؤمنين والمؤمنات، فمنه ومنه. ومعنى بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا بغير جناية واستحقاق للأذى. وقيل : نزلت في ناس من المنافقين يؤذون عليا رضى اللّه عنه ويسمعونه. وقيل : في الذين أفكوا على عائشة رضى اللّه عنها. وقيل : في زناة كانوا يتبعون النساء وهنّ كارهات.
وعن الفضيل : لا يحل لك أن تؤذى كلبا أو خنزيرا بغير حق، فكيف «٢» وكان ابن عون لا يكرى الحوانيت إلا من أهل الذمّة، لما فيه من الروعة عند كرّ الحول.
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٥٩]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩)
الجلباب : ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على رأسها وتبقى منه ما ترسله على صدرها. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما : الرداء الذي يستر من فوق إلى أسفل.
__
(١). أخرجه الطبري من حديث أبى هريرة رضى اللّه عنه. ومن حديث ابن عباس رضى اللّه عنهما نحوه.
(٢). «فكيف» عبارة النسفي : فكيف إيذاء المؤمنين والمؤمنات. (ع)


الصفحة التالية
Icon