[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٤٧ إلى ٤٨]

وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤٨)
وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ وعيد لهم لا كنه لفظاعته وشدّته، وهو نظير قوله تعالى في الوعد فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ والمعنى : وظهر لهم من سخط اللّه وعذابه ما لم يكن قط في حسابهم ولم يحدءوا به نفوسهم. وقيل : عملوا أعمالا حسبوها حسنات، فإذا هي سيئات. وعن سفيان الثوري أنه قرأها فقال : ويل لأهل الرياء، ويل لأهل الرياء. وجزع محمد بن المنكدر عند موته فقيل له، فقال : أخشى آية من كتاب اللّه، وتلاها، فأنا أخشى أن يبدو لي من اللّه ما لم أحتسبه وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا أى سيئات أعمالهم التي كسبوها. أو سيئات كسبهم، حين تعرض صحائفهم، وكانت خافية عليهم، كقوله تعالى أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ أو أراد بالسيآت :
أنواع العذاب التي يجازون بها على ما كسبوا، فسماها سيئات، كما قال وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها.
وَحاقَ بِهِمْ ونزل بهم وأحاط جزاء هزئهم.
[سورة الزمر (٣٩) : آية ٤٩]
فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩)
التخويل : مختص بالتفضل. يقال : خولني، إذا أعطاك على غير جزاء عَلى عِلْمٍ أى على علم منى أنى سأعطاه، لما فىّ من فضل واستحقاق. أو على علم من اللّه بى وباستحقاقى «١» أو على علم منى بوجوه الكسب، كما قال قارون عَلى عِلْمٍ عِنْدِي. فإن قلت : لم ذكر الضمير في أُوتِيتُهُ وهو للنعمة؟ قلت : ذهابا به إلى المعنى، لأنّ قوله نِعْمَةً مِنَّا شيئا من النعم وقسما منها. ويحتمل أن تكون «ما» في إنما موصولة لا كافة، فيرجع إليها الضمير. على معنى : أن الذي أوتيته على علم بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ إنكار لقوله كأنه قال : ما خوّلناك ما خولناك من النعمة لما تقول،
__
(١). قال محمود :«معناه على علم من اللّه بى وباستحقاقى... الخ» قال أحمد : كذلك يقول على قدرى تمنى على اللّه أن يثيبه في الآخرة : أن الفرق بين حمد الدنيا وحمد الآخرة أن حمد الدنيا واجب على العبد، لأنه على نعمة متفضل بها، وحمد الآخرة ليس بواجب عليه، لأنه على نعمة واجبة على اللّه عز وجل، ولقد صدق اللّه إذ يقول : وهي فتنة إنما سلم منها أهل السنة، إذ يعتقدون أن الثواب بفضل اللّه وبرحمته لا باستحقاق، ويتبعون في ذلك قول سيد البشر صلى اللّه عليه وسلم : لا يدخل أحد الجنة بعمله. قيل : ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال : ولا أنا، إلا أن يتغمدني اللّه برحمته، فما أحمق من منى نفسه وركب رأسه، وطمع أنه يستحق على اللّه الجنة.


الصفحة التالية
Icon