﴿ مَنْ أنصاري إِلَى الله قَالَ الحواريون نَحْنُ أَنْصَارُ الله ﴾ [ آل عمران : ٥٢، الصف : ١٤ ]، وقيل إنهم إنما سموا بذلك من أجل أنهم نزلوا أرضاً يقال لها ناصرة، قاله قتادة وروي عن ابن عباس أيضاً، والله أعلم.
فلما بعث الله محمداً خاتماً للنبيين، ورسولاً إلى بني آدم على الإطلاق، وجب عليهم تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانكفاف عما عنه زجر، وهؤلاء هم المؤمنون حقاً. وسمِّيت أُمّة محمد ﷺ مؤمنين لكثرة إيمانهم، وشدة إيقانهم، ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية.
وأما الصابئون فقد اختلف فيهم فقال مجاهد : الصابئون قوم بين المجوس واليهود والنصارى ليس لهم دي، وقال أبو العالية والضحّاك : الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرأون الزبور، ولهذا قال أبو حنيفة وإسحاق : لا بأس بذبائحهم ومناكحتهم، وقال أبو جعفر الرازي : بلغني أن الصابئين قوم يعبدون الملائكة ويقرأون الزبور ويصلُّون للقبلة، وسئل وهب بن منبه عن الصابئين فقال : الذي يعرف الله وحده، وليست له شريعة يعمل بها، ولم يُحْدث كفراً، وقال عبد الرحمن بن زيد : الصابئون أهل دين من الأديان، كانوا بجزيرة الموصل يقولون :« لا إله إلا الله » وليس لهم عمل ولا كتابٌ ولا نبيٌّ إلا قول : لا إله إلا الله، قال : ولم يمنوا برسول. فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنبي ﷺ وأصحابه : هؤلاء الصابئون يشبِّهونهم بهم يعني في قول :« لا إله إلا الله ». وقال الخليل : هم قوم يشبه دينهم دين النصارى إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب يزعمون أنهم على دين نوح عليه السلام، قال القرطبي : والذي تحصَّل من مذهبهم فيما ذكره بعض العلماء أنهم موحدون ويعتقدون تأثير النجوم وأنها فاعلة، ولهذا أفتى أبو سعيد الاصطخري بكفرهم للقادر بالله حين سأله عنهم، واختار الرازي أن الصابئين قوم يعبدون الكواكب بمعنى أن الله جعلها قبلة للعباد والدعاء أو بمعنى أن الله فوّض تدبير أمر هذا العالم إليها. وأظهرُ الأقوال - والله أعلم - قول مجاهد ومتابعيه ووهب بن منبه : أنهم قوم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين، وإنما هم قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتفونه، ولهذا كان المشركون ينبذون من أسلم بالصابىء، أي أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الارض إذ ذاك، وقال بعض العلماء : الصابئون الذي لم تبلغهم دعوة نبي، والله أعلم.