١- الالتقاء الخفي، والكلام الخفي: فلا ضير في وجود بشر من حوله، أو عدم وجودهم لخفاء اتصاله، حيث كان مجيء جبريل - عليه السلام - دون أن يشعر به الناس، وحديثه مع النبي - ﷺ - أمامهم، ولا يسمعونه، ليدل بذلك على إمكانية الاتصال به في أي وقت دون عائق تثيره بشرية الرسول - ﷺ - أو غيره؛ إذ الاتصال به أمر خارج عن نطاق البشر، وكان هذا من أسباب التهيئة الإلهية للنبي - ﷺ - كما تقدم (١)، ومما يدل على ذلك ما في حديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كنت مع أبي عند النبي - ﷺ - وعنده رجل يناجيه، وفي لفظ: وهو كالمعرض عن العباس - رضي الله عنه - فخرجنا من عنده، فقال: ألم تر إلى ابن عمك كالمعرض عني؟، فقلت: إنه كان عنده رجل يناجيه، وفي لفظ: فقال: أو كان عنده أحد ؟ قلت: نعم! قال: فرجع إليه، فقال: يا رسول الله! هل كان عندك أحد؟؛ فإن عبد الله أخبرني أن عندك رجلاً تناجيه. قال: (هل رأيته يا عبد الله ؟) قال: نعم ! قال: (ذاك جبريل، وهو الذي شغلني عنك) (٢)،

(١) انظر: المبحث السابق من هذا الفصل- المطلب الأول.
(٢) مسند الإمام أحمد بن حنبل ١/٢٩٣، مرجع سابق، وإنما لا يرى جبريل - عليه السلام - لأنه الروح، والروح: قال في النهاية: "ومنه الحديث الملائكة الرُّوحانِيُّون، يروي بضم الراء وفتحها، كأنه نسْبة إلى الرُّوح، أو الرَّوح وهو نسيم الرّيح، والألفُ والنونُ من زيادات النَّسَب، ويريد به أنهم أجسامٌ لَطيفةٌ لا يُدرِكها البصر، ومنه: حديث ضماد: "إني أعَالِجُ من هذه الأرْواح: الأرواحُ هاهنا كِنايةٌ عن الجنِّ، سُمُّوا أرْواحاً لكونهم لا يُرَوْن فهُم بمنزلة الأرْواحِ"..


الصفحة التالية
Icon