وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ (٩) }.
قال ابن كثير: هذا إخبار من الله عز وجل عن استبعاد الكفرة الملحدين قيامَ الساعة، واستهزائهم بالرسول - ﷺ - في إخباره بذلك، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾، أي: تفرّقت أجسادكم في الأرض وذهبت فيها كل مذهب وتمزقت كل ممزق ﴿إِنَّكُمْ﴾ أي: بعد هذا الحال ﴿لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾، أي: تعودون أحياء ترزقون بعد ذلك، وهو في هذا الإخبار لا يخلو أمره من قسمين: إما أن يكون قد تعمّد الافتراء على الله تعالى أنه قد أوحى إليه ذلك، أو أنه لم يتعمّد لكن
لَبَسَ عليه كما يَلْبِسُ على المعتوه والمجنون، ولهذا قالوا: ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾ ؟ قال الله عز وجل رادًّا عليهم: ﴿بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ﴾، أي: ليس الأمر كما زعموا ولا كما ذهبوا إليه، بل محمد - ﷺ - هو الصادق البارّ الراشد الذي جاء بالحق، وهم: الكذبة الجهلة الأغنياء، ﴿فِي الْعَذَابِ﴾، أي: الكفر المفضي بهم إلى عذاب الله تعالى، ﴿وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ﴾ من الحق في الدنيا.
ثم قال منبهًا على قدرته في خلق السماوات والأرض فقال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ﴾، أي: حيثما توجّهوا وذهبوا فالسماء مطلِّة عليهم، والأرض تحتهم، كما قال عز وجل: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ... الْمَاهِدُونَ﴾. قال عبد بن حميد: أخبرنا عبد الرزاق عن مَعْمَر عن قتادة: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ﴾، قال: إنك إن نظرت عن يمينك أو عن شمالك، أو من بين يديك أو من خلفك، رأيت السماء والأرض.


الصفحة التالية
Icon