-وكونه عصبي المزاج، سريع الانفعال، مندفعاً، شديد الغضب، متعصباً لنصرة قومه، سريع الندم والتوبة، متردداً.
وفي هذا المشهد الثاني، يتميز بميزتين أخريين تجعلانه مناقضاً للنمطية الأولى، بعيداً عن معهوديتها، الأمر الذي جعله يرقى إلى مصفّ بطل الرواية الجديدة، فهو عصبي المزاج قلق، وعلى النقيض، متّزن هادئ غير متهور.
فإذن ملامح الشخصية تكشفت من خلال ما تعرضه من سلوك. بمعنى أن حركتها عبر المدد السردي هي المحدّدة لملامحها، الشيء الذي ساعدنا على معرفتها المعرفة الاستبطانية الواعية.
إن بناء الشخصية هنا ذو مرجعية لساناتية، لأنه ينهض على نظام المفرداتية، خصوصاً وأن المفردة القرآنية تتميز بثلاث صفات جوهرية.
"جمال وقعها في السمع-اتساع دلالتها- اتّساقها الكامل مع المعنى"(١) الشيء الذي جعل المشتغلين في حقل التأويلية (في مساقات فقهية ونحوية) يرتكزون عليها في تخريجاتهم إذ "عليها (مفردات القرآن) اعتمد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحِكمهم، وإليها مفزع حدّاق الشعراء، والبلغاء في نظمهم ونثرهم، وما عداهم أو ما عدا الألفاظ المتفرعات عنها والمنتقات منها، هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى، بالإضافة إلى أطاييب الثمور، وكالحثالة والتبن بالنسبة إلى لبوب الحنطة"(٢).
وفي هذا السياق، ألفيناها ذات حضور متميز في حقل التأويلية- بالمفهوم السيميائي- لأن الأسلوب الفني الراقي هو ذلك الذي "يحدد من خلال روابط الألفاظ بالأشياء، وكذا من خلال علاقة الألفاظ فيما بينها، ثم من خلال علاقة الألفاظ بالجهاز اللغوي الذي تتنزّل فيه"(٣) إذ إنها تغتدي في السرد القرآني دلالية، تصنع الرؤيا، وتضيء النص.

(١) د. بكري شيخ أمين: التعبير الفني في القرآن- ص١٨١.
(٢) السيوطي- المزهر في علوم اللغة وأنواعها/ج١/ المكتبة العصرية صيدا- بيروت ١٩٨٧ ص٢٠١.
(٣) عبد السلام المسدي: الأسلوبية والأسلوب- الدار العربية للكتاب- ط٢- ١٩٨٢ ص٩١.


الصفحة التالية
Icon