لقد "كان موسى صلوات الله عليه، رجلاً حديداً، مجبولاً على الحدة والخشونة والتصلب في كل شيء"(١).
ولقد دلّل السرد القرآني على قوة موسى العضلية بالإخبار، والفعل والشهادة.
فلقد أخبر السارد (الإله) عن قوة موسى بقوله: ﴿وَلَما بَلَغَ أشُدَّهُ واسْتَوَى﴾ وقد تجسد ذلك بفعله الذي فعله إزاء القبطي حين وكزه فقضى عليه.
ثم شهادة إحدى ابنتي شعيب بقوة موسى، والتي تظهر في الفصل الثالث الآتي بعد قليل- حيث قال تعالى: ﴿ قَالَت إحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ ﴾.
ولعلنا اكتشفنا كل هذا من خلال مفردتي [أشد- استوى] وهي تقنية نحسبها عمدة السردية القرآنية التي- في تصويرها بطولة بطل- تعتمد على المفردة التي من شأنها أن تكون بديل الشخصية، ثم تحيلنا فوراً إلى مشهد حي يجسدها ويعكسها، وهي سيرة فنية لم نعهدها في منظومة القص الوضعية.
وفي هذا السياق يقول محمد حسن فضل الله وهو بصدد حديثه عن المفردة القرآنية "إنها تجسد الموقف أمامك، فتشعر فيه بالحياة المتحركة التي تنتقل من موقف إلى موقف، ومن جوٍّ إلى جو، وتعيش فيها الأحداث الماضية من خلال أبطالها الذين تشعر بهم- وأنت مندمج في القصة- يتحركون أمامك في أدوارهم وأوضاعهم، كما لو كنت حاضراً معهم"(٢).
إذن المقطع (أ) يكون فيه السرد بانياً ومؤسساً لمقطع (ب)، بحيث يكون هذا انعكاساً للمقطع (أ).
(٢) محمد حسين فضل الله: الحوار في القرآن- دار المنصوري للنشر- ولاية قسنطينة الجزائر، ص١٨.