ولنقترب أكثر من مقطع ثان يتمثل في قوله تعالى: ﴿ أَتَيْناهُ حُكْماً وعِلْماً ﴾ هذا المقطع (أ) يحيلنا على شخصية متفقهة حكيمة، وقيل "العلم: التوراة. والحكمة: السنة. وحكمة الأنبياء: سنتهم. قال الله تعالى: "واذْكُرْنَ مَا يُتْلَى في بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللّهِ والحِكْمَةِ"(١).
ثم ما تفتأ الساردة القرآنية- وفي إطار التغدية السردية- تمدنا بمقطع ثان (ب) يكون تطبيقاً للمقطع (أ). وهو قوله تعالى: ﴿ قَالَ هَذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ، إنَّهُ عَدُوُّ مُضِلٌّ مُبِينٌ. قَالَ رَبِّ إنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، فَغَفَرَ لَهُ، إنَّهُ هُو الغَفورُ الرَّحِيمُ ﴾ (٢).
وبذلك يكون المقطع (ب) تطبيقاً للمقطع (أ). وهكذا تكون التقنية السردية قد سلكت منهجاً إفضائياً مقنعاً فنياً.
فالملاحظ هنا أن الشخصية، سريعة الندم، تتمتع بضمير وقاد مؤنب، تشعر بالندم، ثم تتوب. إنه موسى الحكيم.
وبتعبير نقدي نقول: إن المقطع (أ) يصبح المحور الفاعل للشخصية، في حين يكون المقطع (ب) المحور المنفعل لها.
وفي هذا السياق ألفينا النص القرآني ينظّر لظاهرة تعد من مرتكزات ما يسمى بالرواية الجديدة، وهي اعتبار الشخصية مستنداً ضعيفاً حيث إن "المناهج السيميائية، واللسانية، والبنائية، والتي تؤكد- في مجملها- على الأفعال وأثرها ووظائفها على اعتبار أن الشخصية مستند ضعيف الفعالية إلا بقدر ما هي فاعلة"(٣).
فالسردية القرآنية بتوظيفها المفردة النائبة عن الشخصية، تكون قد ألغت تقديس الشخصية.
ويمكننا توضيح الدلالة السردية وعلاقتها ببناء الشخصية، انطلاقاً من المشهد الأول بمقطعيه (أ، ب) ومن خلال المخطط الآتي:

(١) الزمخشري: تفسير الكشاف، ص١٦٠.
(٢) الآيتان ١٥، ١٦ سورة القصص.
(٣) يومية الجمهورية بتاريخ ٠٦/١٠/٩٣.


الصفحة التالية
Icon