ولعل هذا المخطط يدفعنا إلى القول: إن التقاطع الذي تم داخل شخصية موسى ما هو إلا انجذاب للماضي حيث تبعات الكوخ ونفحات القصر. "إنها صورة واحدة مزدوجة لا صورتان كل تعاكس الأخرى، صورة واحدة مزدوجة، تستمد خصائصها من جوهر واحد للبطل"(١).
ب)المشهد الثاني:
إن أول ملاحظة ينبغي ذكرها، هي أن هذا المشهد كله انعكاس للمشهد الأول.
تظهر الشخصية الرئيسية فيه (موسى) قلقة متوترة، عصبية المزاج، وفي ذات الوقت تتصف بالاتزان وعدم التهور.
غير أن هذا يبدو واضحاً على صعيد البنية السردية، بحيث يكاد يتكرر المشهد القتالي، لأننا ألفينا نفس الإسرائيلي يستنصر موسى مجدداً ضد قبطي ثان، غير أن البطل يتعقل ويعزف عن مناصرته.
إن الازدواجية التي أشرنا إليها، تظهر بوضوح في هذا المشهد، إلا أن الجزء المظلم منها (الاندفاع والتهور) يبدأ في الضمور ويبقى الجزء الوضاء. حيث الاستغفار والتعقل وهو ما نوضحه لاحقاً.
إن السرد القرآني يعمد مرة أخرى إلى إعمال المفردة بديلاً عن الشخصية، من خلال هذا المشهد.
لنلاحظ كلمة "يترقّب" إننا نتحسس حركة موسى وهو في التفات مستمر يميناً وشمالاً، وهو يمشي بِخُطىً يشوبها كثير من الحذر.
فالسردية القرآنية أهملت الشخصية واهتمت بجزء واحد فيها. وبهذا فهي تؤصل لمبدئية فنية تنهض عليها السردية الجديدة.
فكلمة يترقب تخفي سرداً كثيفاً، وهو ما نطلق عليه: تقنية الإضمار.