غير أن هذا التغاضي أو التغييب ما هو إلا تقنية قرآنية سخرت من أجل القارئ لإتمام الفضاءات القصصية التي تركت فارغة. يمكن تسميتها تقنية الإيعاز.
وفي هذا السياق يقول غنيمي هلال "فالأفعال والأحداث القوية مصورة دون شرح أو تفسير يضعف من قوتها، وعلى القارئ في استخلاص مغزاها جهد كبير، لأن في هذا الإضمار النفسي تفسر العواطف والانفعالات تفسيراً آلياً في ظاهره، ولكنه قوي في إيحائه متى استخدمه عباقرة القصة"(١).
لأن القاعدة التي تنهض عليها التخاطبية القرآنية نجدها تتصل بقرار تأويلي من شأنه توسيع مدار التأويلية لدى القارئ. فقد كان من المفروض على القارئ- وانطلاقاً من النص- أن يحدد معالم تلك الفضاءات المخفية باعتماده على قرائن مرجعية تحيله إلى معرفة كامل القصة.
وبهذا التوجه تبدو مشاركة القارئ واضحة. وهي تقنية تتميز بها السردية الجديدة. لأن كتابها "لا يتعاملون فقط مع النص وفضائه الداخلي، بل أيضاً يقحمون في برنامجهم الإبداعي القارئ، حيث ينزعونه من عالمه الهادئ للرمي به في أحضان النص الذي يصبح جزءاً منه، يتصارع مع أجزائه الأخرى دون هوادة ودون انقطاع"(٢).
ثم يستمر السرد ليكشف عن النهاية التي آل إليها فرعون. ويغض عن جزء كبير من القصة الأم(٣).
لنلاحظ هذا المقطع: ﴿ فَأَخَذْناهُ وجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُم في اليَمِّ ﴾.
وهي النهاية التي آل إليها فرعون وجنوده.
(٢) سعيدي محمد- حركية الشخصية في الرواية- تجليات الحداثة- ع٣ ص١٥٣.
(٣) * يمكن العودة إلى سور الأعراف، طه، يونس، للتعرف على القصة أكثر.