المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٩٨
الراء أن يكون على الحال، وأما كسر الراء فعلى الصفة للمؤمنين، وروي من غير طريق أن الآية نزلت لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجاهِدُونَ فجاء ابن أم مكتوم حين سمعها، فقال : يا رسول اللّه هل من رخصة؟ فإني ضرير البصر فنزلت عند ذلك غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ قال الفلتان بن عاصم كنا قعودا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فأنزل عليه، وكان إذا أوحي إليه دام بصره مفتوحة عيناه وفرغ سمعه وبصره لما يأتيه من اللّه، وكنا نعرف ذلك في وجهه، فلما فرغ قال للكاتب : اكتب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجاهِدُونَ إلى آخر الآية. قال : فقام الأعمى، فقال : يا رسول اللّه ما ذنبنا؟ قال : فأنزل اللّه على رسوله، فقلنا للأعمى : إنه ينزل عليه. قال : فخاف أن ينزل فيه شيء فبقي قائما مكانه يقول : أتوب إلى رسول اللّه حتى فرغ رسول اللّه، فقال الكاتب : اكتب غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وأولو الضرر هم أهل الأعذار إذ قد أضرت بهم حتى منعتهم الجهاد. قاله ابن عباس وغيره. وقوله تعالى : بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ هي الغاية في كمال الجهاد. ولما كان أهل الديوان متملكين بذلك العطاء يصرفون في الشدائد وتروعهم البعوث والأوامر. قال بعض العلماء : هم أعظم أجرا من المتطوع لسكون جأشه ونعمة باله في الصوائف الكبار ونحوها. واحتج بهذه الآية المظهرة لفضل المال من قال : إن الغنى أفضل من الفقر وإن متعلقه بها لبين.
وفسر الناس الآية على أن تكملة التفضيل فيها ب «الدرجة» ثم بالدرجات إنما هو مبالغة وتأكيد وبيان، وقال ابن جريج الفضل بدرجة هو على القاعدين من أهل العذر.
قال القاضي أبو محمد رحمه اللّه : لأنهم مع المؤمنين بنياتهم كما قال النبي عليه السلام في غزوة تبوك «إن بالمدينة رجالا ما قطعنا واديا ولا سلكنا جبلا ولا طريقا إلا وهم معنا حبسهم العذر» قال ابن جريج. والتفضيل «بالأجر العظيم والدرجات» هو على القاعدين من غير أهل العذر، والْحُسْنى الجنة، وهي التي وعدها المؤمنون، وكذلك قال السدي وغيره.
وقال ابن محيريز :«الدرجات» هي درجات في الجنة، سبعون، ما بين الدرجتين حضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة، وقال بهذا القول الطبري ورجحه، وقال ابن زيد :«الدرجات» في الآية هي السبع المذكورات في سورة براءة، فهي قوله تعالى : ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة : ١٢٠] الآيات فذكر فيها الموطئ الغائظ للكفار، والنيل من العدو، والنفقة الصغيرة والكبيرة، وقطع الأودية والمسافات.
قال القاضي أبو محمد رحمه اللّه : ودرجات الجهاد لو حصرت أكثر من هذه، لكن يجمعها بذل النفس والاعتمال بالبدن والمال في أن تكون كلمة اللّه هي العليا، ولا شك أن بحسب مراتب الأعمال ودرجاتها تكون مراتب الجنة ودرجاتها، فالأقوال كلها متقاربة، وباقي الآية وعد كريم وتأنيس. ونصب دَرَجاتٍ إما على البدل من الأجر، وإما على إضمار فعل على أن تكون تأكيدا للأجر، كما تقول : لك عليّ ألف درهم عرفا، كأنك قلت أعرفها عرفا.
قوله تعالى :