المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٦٦
بهم ختم ذلك بهذه الكلمة وجعل بعد ذلك الأمر بنوع آخر من القول وقوله تعالى : وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ قالت فرقة سببه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يخاف وقت تكلم جبريل له أن ينسى أول القرآن فكان يقرأ قبل أن يستتم جبريل عليه السلام الوحي فنزلت في ذلك، وهي على هذا في معنى قوله تعالى : لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
[القيامة : ١٦] وقالت فرقة سبب هذه الآية أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا أوحي إليه القرآن أمر بكتبه للحين فأمره اللّه تعالى في هذه الآية أن يتأنى حتى يفسر له المعاني وتقرر عنده، وقالت فرقة سبب الآية أن امرأة شكت إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم أن زوجها لطمها فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بينكما القصاص ثم نزلت الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ [النساء : ٣٤]، ونزلت هذه بمعنى الأمر بالتثبت في الحكم بالقرآن حتى يبين واللّه أعلم. وقرأ الجمهور «من قبل أن يقضي إليك وحيه»، وقرأ عبد اللّه بن مسعود «من قبل أن نقضي إليك وحيه». وباقي الآية بين رغبة في خير.
قوله عز وجل :
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١١٥ الى ١١٧]
وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧)
قال الطبري المعنى وإن يعرض يا محمد هؤلاء الكفرة عن آياتي ويخالفوا رسلي ويطيعوا إبليس فقدما فعل ذلك أبوهم آدم ع وهذا التأويل ضعيف، وذلك أن يكون آدَمَ مثالا للكفار الجاحدين باللّه ليس بشيء، وآدَمَ إنما عصى بتأويل ففي هذا غضاضة عليه صلى اللّه عليه وسلم وأما الظاهر في هذه الآية، إما أن يكون ابتداء قصص لا تعلق له بما قبله، وإما أن يجعل تعلقه أنه لما عهد إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم أن لا يعجل بالقرآن مثل له بنبي قبله عهد إليه فَنَسِيَ فعوقب لتكون أشد في التحذير وأبلغ في العهد إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم.
و«العهد» هنا في معنى الوصية، و«نسي» معناه ترك، والنسيان الذهول لكن هنا أنه لا يتعلق بالناسي عقاب، وقرأ الأعمش «فنسي» بسكون الياء ووجهها طلب الخفة، و«العزم» المضي على المعتقد في أي شيء كان، وآدم عليه السلام كان معتقدا لأن لا يأكل من الشجرة لما وسوس إليه إبليس لم يعزم على معتقده، وعبر بعض المفسرين عن العزم هنا بالصبر وبالحفظ وبغير ذلك مما هو أعم من حقيقة العزم والشيء الذي عهد إلى آدم هو أن يقرب الشجرة وأعلم مع ذلك أن إبليس عدو له، وقال أبو أمامة لو أن أحلام بني آدم وضعت منذ خلق اللّه إلى يوم القيامة ووضعت في كفة ميزان ووضع حلم آدم في كفة أخرى لرجحهم، وقد قال اللّه له وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً وقوله تعالى : وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ ابتداء قصة، والعامل، في إِذْ فعل مضمر وقد تقدم استيعاب هذه القصة لكن نذكر من ذلك ما تقتضيه ألفاظ هذه الآية، فالملائكة قيل كان جميعهم مأمور بذلك وقيل بل فرقة فاضلة منهم عددهم اثنان وعشرون، و«السجود» الذي أمروا به سجود كرامة لآدم وعبادة للّه تعالى، وقوله تعالى : إِلَّا إِبْلِيسَ الاستثناء متصل في قول من جعل إبليس من الملائكة، ومنقطع في قول من قال هو من قبيلة غير الملائكة