المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٧٠
الخمس قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ صلاة الصبح وَقَبْلَ غُرُوبِها صلاة العصر ومِنْ آناءِ اللَّيْلِ العتمة وَأَطْرافَ النَّهارِ المغرب والظهر. وقالت فرقة آناءِ اللَّيْلِ المغرب والعشاء، وَأَطْرافَ النَّهارِ الظهر وحدها، ويحتمل اللفظ أن يراد قول سبحان اللّه وبحمده من بعد صلاة الصبح إلى ركعتي الضحى وقبل غروب الشمس فقد قال صلى اللّه عليه وسلم :«من سبح قبل غروب الشمس سبعين تسبيحة غربت بذنوبه» ع وسمى الطرفين أطرافا على أحد وجهين إما على نحو فقد صغت قلوبكما : وإما على أن يجعل النهار للجنس، فلكل يوم طرف وهي التي جمع، وأما من قال أَطْرافَ النَّهارِ لصلاة الظهر وحدها فلا بد له من أن يتمسك بأن يكون النهار للجنس كما قلنا أو نقول إن النهار ينقسم قسمين فصلهما الزوال ولكل قسم طرفان فعند الزوال طرفان الآخر من القسم الأول والأول من القسم الآخر فقال عن الطرفين أطرافا على نحو فقد صغت قلوبكما، وأشار إلى هذا النظر ابن فورك في المشكل والآناء جمع أنى وهي الساعة من الليل ومنه قول الهذلي :
حلو ومر كعطف القدح مر به في كل أنى حداة الليل تنتقل
وقالت فرقة في الآية إشارة إلى نوافل، فمنها آناءِ اللَّيْلِ ومنها قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وركعتا الفجر والمغرب أَطْرافَ النَّهارِ، وقرأ الجمهور «لعلك ترضى» بفتح التاء أي لعلك تثاب على هذه الأعمال بما ترضى به، وقرأ الكسائي وأبو بكر عن عاصم «لعلك ترضى» أي لعلك تعطى ما يرضيك.
قوله عز وجل :
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٣١ الى ١٣٣]
وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢) وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣)
قال بعض الناس سبب هذه الآية أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، نزل به ضيف فلم يكن عنده شيء فبعث إلى يهودي ليسلفه شعيرا فأبى اليهودي إلا برهن فبلغ الرسول بذلك إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال «و اللّه إني لأمين في السماء وأمين في الأرض» فرهنه درعه فنزلت الآية في ذلك.
قال القاضي أبو محمد : وهذا معترض أن يكون سببا لأن السورة مكية والقصة المذكورة مدنية في آخر عمر النبي صلى اللّه عليه وسلم، لأنّه مات ودرعه مرهونة بهذه القصة التي ذكرت، وإنما الظاهر أن الآية متناسقة مع ما قبلها وذلك أن اللّه تعالى وبخهم على ترك الاعتبار بالأمم السالفة ثم توعدهم بالعذاب المؤجل ثم أمر نبيه بالاحتقار لشأنهم والصبر على أقوالهم والإعراض عن أموالهم وما في أيديهم من الدنيا إذ ذاك منحصر عندهم صائر بهم إلى خزي، وقوله وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ أبلغ من ولا تنظر، لأن الذي يمد بصره إنما يحمله على ذلك حرص مقترن، والذي ينظر قد لا يكون ذلك معه. و«الأزواج» الأنواع فكأنه قال إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أقواما منهم وأصنافا. وقوله تعالى : زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا شبه نعم هؤلاء الكفار