معاني القرآن، ج ١، ص : ٤٦
و قوله : ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها... (٦٩)
اللّون مرفوع لأنك لم ترد أن تجعل «ما» صلة فتقول : بيّن لنا ما لونها «١» ولو قرأ به قارئ كان صوابا، ولكنه أراد - واللّه أعلم - : ادع لنا ربك يبيّن لنا أىّ شىء لونها، ولم يصلح للفعل الوقوع على أىّ لأن أصل «أى» تفرّق «٢» جمع من الاستفهام، ويقول القائل : بين لنا أسوداء هى أم صفراء؟ فلما لم يصلح للتّبيّن أن يقع على الاستفهام فى تفرّقه لم يقع على أىّ لأنها جمع ذلك المتفرّق، وكذلك ما كان فى القرآن مثله، فأعمل فى «ما» «و أىّ» الفعل الذي بعدهما، ولا تعمل الذي قبلهما إذا كان مشتقّا من العلم كقولك :
ما أعلم أيّهم قال ذاك، ولا أعلمنّ أيّهم قال ذاك، وما أدرى أيّهم ضربت، فهو فى العلم والإخبار والإنباء وما أشبهها على ما وصفت لك. منه قول اللّه تبارك وتعالى :«وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ» «٣» «وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ» «٤» «ما» «٥» الثانية رفع، فرفعتها بيوم كقولك : ما أدراك أىّ شىء يوم الدّين، وكذلك قول اللّه تبارك وتعالى :«لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى » «٦» رفعته بأحصى، وتقول إذا كان الفعل واقعا على أىّ «٧» : ما أدرى أيّهم ضربت. وإنما امتنعت من أن توقع على أي
(٢) يريد أن أيا نابت عن جمع من الاستفهام متفرّق. فبدل أن يقال : بين أسوداء هى أم صفراء أم حمراء. يقال : بين أي شىء لونها، فتغنى أي عن هذا الجمع من الاستفهام، فمن ثمّ كان أصلا لها.
وعبارة الطبري :«لأن أصل «أي» و«ما» جمع متفرق الاستفهام». ويريد الطبري بالأصل ما يوضع له اللفظ ويدل عليه، وهذا غير ما يريد الفراء. وكل صحيح.
(٣) آية ١٠ سورة القارعة.
(٤) آية ١٧ سورة الانفطار.
(٥) فى ش، ج :«و موضع ما».
(٦) آية ١٢ سورة الكهف. [.....]
(٧) أي : اسم استفهام عما يعقل وعما لا يعقل، وأدوات الاستفهام (كغيرها من المعلقات) تعلق العامل عن العمل لفظا لأن لها صدر الكلام، فلو أعمل ما قبلها فيها أو فيما بعدها لخرجت عن أن يكون لها صدر الكلام. ولا يكون التعليق إلا فى أفعال القلوب التي تلغى نحو علم وظن، ولذلك لا تقول : لأضربن أيهم قام (بالرفع) لأنه فعل مؤثر لا يجوز إلغاؤه فلا يجوز تعليقه.
وقال الفرّاء :«أي» يعمل فيه ما بعده ولا يعمل فيه ما قبله، وإنما يرفعها أو ينصبها ما بعدها كقوله تعالى :«لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى » فرفع، وقوله :«وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» -