معاني القرآن، ج ١، ص : ٥٥
و قوله : وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ... (٨٩)
[إن شئت ] رفعت المصدّق ونويت أن يكون نعتا للكتاب لأنّه نكرة، ولو نصبته على أن تجعل المصدّق فعلا للكتاب لكان صوابا «١». وفى قراءة عبد اللّه فى آل عمران :«ثمّ جاءكم رسول مصدّقا» «٢» فجعله فعلا. وإذا كانت النكرة قد وصلت بشىء سوى نعتها ثم جاء النّعت، فالنّصب على الفعل أمكن منه إذا كانت نكرة غير موصولة، وذلك لأنّ صلة النكرة تصير كالموقّتة لها، ألا ترى أنك إذا قلت : مررت برجل فى دارك، أو بعبد لك فى دارك، فكأنّك قلت : بعبدك أو بساس دابّتك، فقس على هذا وقد قال بعض الشعراء :
لو كان حىّ ناجيا لنجا من يومه المزلّم الأعصم «٣»
فنصب ولم يصل النّكرة بشىء وهو جائز. فأما قوله :«وَ هذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا» «٤» فإنّ نصب اللّسان على وجهين أحدهما أن تضمر شيئا يقع عليه المصدّق، كأنك قلت : وهذا يصدّق التوراة والإنجيل «لِساناً عَرَبِيًّا» (لأنّ التوراة والإنجيل لم يكونا عربيّين) «٥» فصار اللسان العربىّ «٦» مفسّرا. وأما الوجه الآخر فعلى ما فسّرت «٧»

(١) يريد المؤلف أنه حال من كتاب، وجاز ذلك لأنه قد تخصص بالوصف فقرب من المعرفة.
وفى ج، ش :«لأنه نعت للكتاب وهما جميعا نكرتان كان صوابا».
(٢) «مصدقا» بالنصب قراءة شاذة، وحسن نصبه على الحال من النكرة كونها فى قوّة المعرفة من حيث أريد بها شخص معين، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم.
(٣) البيت من قصيدة طويلة للمرقش الأكبر، وهو عوف بن سعد بن مالك شاعر جاهلى قالها فى مرثية عم له. والمزلم : الوعل، وزلمتا العنز زنمتاها، والزلمة تكون للمعز فى حلوقها متعلقة كالقرط، وإن كانت فى الأذن فهى زنمة. والأعصم من الظباء والوعول ما فى ذراعيه أو فى أحدهما بياض.
(٤) آية ١٢ سورة الأحقاف.
(٥) فى أ: «لأن التوراة لم تكن عربية، ولا الإنجيل».
(٦) سقط فى أ.
(٧) فى ج. وش :«وصفت».


الصفحة التالية
Icon