معاني القرآن، ج ١، ص : ٦١
ألا ترى أنّك تعنّف الرجل بما سلف من فعله فتقول : ويحك لم تكذب! لم تبغّض نفسك إلى الناس! ومثله قول اللّه :«وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ» «١».
ولم يقل ما تلت الشياطين، وذلك عربىّ كثير فى الكلام أنشدنى بعض العرب :
إذا ما انتسبنا لم تلدنى لئيمة ولم تجدى من أن تقرّى بها «٢» بدّا
فالجزاء للمستقبل، والولادة كلها قد مضت، وذلك أن المعنى معروف ومثله فى الكلام : إذا نظرت فى سير «٣» عمر رحمه اللّه لم يسىء المعنى لم تجده أساء فلما كان أمر عمر لا يشك فى مضيّه لم يقع فى الوهم أنه مستقبل فلذلك صلحت «مِنْ قَبْلُ». مع قوله : فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ وليس الذين خوطبوا بالقتل هم القتلة، إنما قتل الأنبياء أسلافهم الذين مضوا فتولّوهم على ذلك ورضوا به فنسب القتل إليهم.
وقوله «٤» : سَمِعْنا وَعَصَيْنا... (٩٣)
معناه سمعنا قولك وعصينا «٥» أمرك.
وقوله : وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ... (٩٣)
فإنه أراد : حبّ العجل، ومثل هذا مما تحذفه العرب كثير قال اللّه :
«وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها» «٦» والمعنى سل أهل القرية وأهل العير وأنشدنى المفضّل :

(١). ١٠٢ سورة البقرة.
(٢) فى تفسير الطبري وفى المغني «به» أي بهذا الكلام، وهو لم تلدنى لئيمة. وقائله زائد بن صعصعة الفقعسي يعرض بزوجته وكانت أمها سرية وقبله :
رمتنى عن قوس العدوّ وباعدت عبيدة زاد اللّه ما بيننا بعدا
(مغنى اللبيب ج ١ : ٢٥).
(٣) فى ج، ش : سيرة.
(٤) فى ج، ش :
«و أما قوله».
(٥) فى ش، ج :«و لكن عصينا».
(٦) آية ٨٢ سورة يوسف.


الصفحة التالية
Icon