ج ١٠، ص : ٣٢٣
البلاغة
قوله تعالى ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ إيهام بأن القول لا يكون إلا بالفم، فما معنى ذكر أفواههم؟
قلت فيه وجهان : أحدهما : أن يراد أنه قول لا يعضده برهان، فما هو إلا لفظ يفوهون به، فارغ من معنى تحته، كالألفاظ المهملة التي هي أجراس ونغم لا تدل على معان، والثاني : أن يراد بالقول المذهب، كقولهم : قول أبي حنيفة، يريدون مذهبه وما يقول به. كأنه قيل : ذلك مذهبهم ودينهم بأفواههم لا بقلوبهم.
الفوائد
ورد في هذه الآية قوله تعالى : مِنْ قَبْلُ ويقال في إعرابها : اسم مبني على الضم في محل جر بمن.
وسنوضح الآن حكم كلمتي : قبل وبعد من البناء والإعراب :
١ - إذا قطعتا عن الإضافة لفظا لا معنى، فهما مبنيتان على الضم في محل نصب على الظرفية، كقولنا : جئت قبل وذهبت بعد، أو في محل جر بحرف الجر كقوله تعالى : للّه الأمر من قبل ومن بعد. ومعنى الانقطاع عن الإضافة لفظا : أنه لم يأت بعدهما مضاف إليه، ومعنى عدم انقطاعهما معنى، أنه يقدر بعدهما مضاف إليه والتقدير : للّه الأمر من قبل ذلك ومن بعد ذلك.
٢ - إذا قطعتا عن الإضافة لفظا ومعنىّ :(أي لم يأت بعدهما مضاف إليه، ولا يمكن أن نقدر بعدهما مضاف إليه)، فإنهما معربتان كقول الشاعر :
وساغ لي الشراب وكنت قبلا أكاد أغصّ بالماء الفرات
فالشاهد فيه قبلا وهي ظرف زمان منصوب بالفتحة لانقطاعها عن الإضافة لفظا ومعنىّ.


الصفحة التالية
Icon