فَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ إِبْطَالِ النَّفَقَةِ عَلَى فَاطِمَةَ لأَنَّهَا كَانَتْ غَيْرَ ذَاتِ حَمْلٍ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ تَأْوِيلٌ تَأَوَّلَهُ فِي
حَدِيثِهَا، وَلَمْ يَجِدْهُ مَنْصُوصًا وَقَدْ تَأَوَّلَهُ غَيْرُهُ عَلَى غَيْرِ مَا تَأَوَّلَهُ عَلَيْهِ، فَتَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهَا إِنَّمَا مُنِعَتِ النَّفَقَةَ بِالْبَذَاءِ الَّذِي كَانَ فِيهَا الْوَاجِبِ بِهِ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ مِنْ مَنْزِلِهَا، فَصَارَ ذَلِكَ الْخُرُوجُ الَّذِي لَزِمَهَا بِالْفِعْلِ الَّذِي كَانَ مِنْهَا نُشُوزًا، فَحُرِمَتِ النَّفَقَةَ بِذَلِكَ النُّشُوزِ كَمَا يَقُولُ فِي الْمُطَلَّقَةِ الْمُسْتَحِقَّةِ لِلنَّفَقَةِ إِذَا نَشَزَتْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا، لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةٌ مَا كَانَتْ كَذَلِكَ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ أَوْلَى مِنَ الآخَرِ بِهِ ثُمَّ عُدْنَا إِلَى النَّفَقَةِ عَلَى الْمُطَلَّقَاتِ الْحَوَامِلِ اللائِي لَا رَجْعَةَ عَلَيْهِنَّ لِمَنْ طَلَّقَهُنَّ، فَقَالَ قَائِلُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: قَصْدُهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى ﴿وَأُولاتُ الأَحْمَالِ﴾ بِالإِنْفَاقِ عَلَيْهِنَّ إِذْ كُنَّ كَذَلِكَ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُنَّ إِذَا لَمْ تَكُنَّ كَذَلِكَ فَلا نَفَقَةَ لَهُنَّ قِيلَ لَهُمْ: قَدْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ غَيْرَ مَا ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ مِنْهُ وَتَأَوَّلْتُمُوهُ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ الإِخْبَارَ بِأَنَّ النَّفَقَةَ تَنْقَطِعُ عَنْهُنَّ عِنْدَ وَضْعِهِنَّ حَمْلَهُنَّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، فَيَكُونُ إِنَّمَا قَصَدَ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ إِلَى الإِخْبَارِ عَنِ النِّهَايَةِ الَّتِي تَتَنَاهَى إِلَيْهَا بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْحَوَامِلِ الْمُطَلَّقَاتِ، كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾، فَأَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِالنِّهَايَةِ الَّتِي بِهَا يَكُونُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ مِنَ الْحَوَامِلِ، وَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾، أَيْ فَإِذَا بَلَغَ أَجَلَهُ جَازَ عَزْمُ عُقْدَةِ النِّكَاحِ وَلَنْ تَخْلُوَ الْحَامِلُ الْمُطَلَّقَةِ الْمَبْتُوتَةِ مِنْ أَنْ
يَكُونَ الإِنْفَاقُ عَلَيْهَا لِلْعِدَّةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا مِنَ الطَّلاقِ، أَوْ أَنَّ الإِنْفَاقَ عَلْيَهَا مَقْصُودٌ بِهِ إِلَى الْوَلَدِ الَّذِي فِي بَطْنِهَا مِنْ مُطَلِّقِهَا، لأَنَّهُ لَا يُوصَلُ إِلَى مَا يُغَذَّى بِهِ إِلا بِمَا تُغَذِّيهِ أُمُّهُ الْحَامِلُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لِلْعِدَّةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا فَكُلُّ مُطَلَّقَةٍ فِي عِدَّةٍ فَلَهَا مِثْلُ مَا لِهَذِهِ الْمُعْتَدَّةِ حَامِلا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ وَإِنْ كَانَتِ النَّفَقَةُ إِنَّمَا هِيَ عَلَى


الصفحة التالية
Icon