قوله تعالى: ﴿آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ﴾. [٢٨٥].
أخبرنا الإمام أبو منصور: عبد القاهر بن طاهر، أخبرنا محمد بن عبد الله بن علي بن زياد، حدَّثنا محمد بن إبراهيم البُوشَنْجِي، حدَّثنا أمية بن بسطام، حدَّثنا يزيد بن زُرَيع، حدَّثنا رَوْح بن القاسم، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال:
لما أنزل [الله] على رسوله صلى الله عليه وسلم، ﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ﴾ الآية، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتوا رسول الله فقالوا: كُلِّفْنَا من الأعمال ما نطيقُ: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم - أراه قال -: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا قولوا ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ﴾ فلما اقترأها القوم فذلّت بها ألسنتهم، أنزل الله تعالى في أثرها ﴿آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ﴾ الاية كلها، ونسخها الله تعالى فأنزل الله ﴿لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ الآية إلى آخرها. رواه مسلم عن أمية بن بسطام.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، حدَّثنا والدي، حدَّثنا محمد بن إسحاق الثقفي، حدَّثنا عبد الله بن عمر ويوسف بن موسى، قالا: حدَّثنا وكيع، حدَّثنا سفيان، عن آدم بن سليمان. قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال:
لما نزلت هذه الآية: ﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ﴾ دخل قلوبهم منها شيء لم يدخله من شيء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا: سمعنا وأطعنا وسلَّمنا. فألقى الله تعالى الإيمان في قلوبهم فقالوا: سمعنا وأطعنا. فأنزل الله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ حتى بلغ ﴿أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ فقال: قد فعلت، إلى آخر البقرة، كل ذلك يقول: قد فعلت. رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع.
قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية: ﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ﴾ جاء أبو بكر، وعمر، وعبد الرحمن بن عَوْف، ومُعاذ بن جَبَل، وناس من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فَجَثَوْا على الركب، وقالوا: يا رسول الله، والله ما نزلت آية أشدّ علينا من هذه الآية، إن أحدنا لَيُحَدِّثُ نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه وأنَّ له الدنيا بما فيها؛ وإنا لمأخوذون بما نحدث به أنفسنا، هلكنا والله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت، فقالوا: هلكنا وكُلِّفنا من العمل ما لا نطيق. قال: فلعلكم تقولون كما قالت بنو إسرائيل لموسى: سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا وأطعنا، فقالوا: سمعنا وأطعنا. واشتد ذلك عليهم فمكثوا بذلك حولاً، فأنزل الله تعالى الفرج والراحة بقوله: ﴿لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ الآية فنسخت هذه الآية ما قبلها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد تجاوز لأمتي ما حدَّثوا به أنفسهم ما لم يعملوا أو يتكلموا به".


الصفحة التالية
Icon