السقيفة وهم أئمة الهدى. ثم هذا الخطاب في نحو يا أَيُّهَا النَّاسُ يسمى بالخطاب الشفاهي عند الأصوليين قالوا:
وليس عاما لمن بعد الموجودين في زمن الوحي أو لمن بعد الحاضرين مهابط الوحي، والأول هو الوجه وإنما يثبت حكمه لهم بدليل آخر من نص أو قياس أو إجماع، وأما بمجرد الصيغة فلا، وقالت الحنابلة: بل هو عام لمن بعدهم إلى يوم القيامة، واستدل الأولون بأنا نعلم أنه لا يقال للمعدومين نحو يا أَيُّهَا النَّاسُ قال العضد: وإنكاره مكابرة وبأنه امتنع خطاب الصبي والمجنون بنحوه وإذا لم نوجهه نحوهم مع وجودهم لقصورهم عن الخطاب فالمعدوم أجدر أن يمنع لأن تناوله أبعد، واستدل الآخرون بأنه لو لم يكن الرسول صلّى الله عليه وسلّم مخاطبا به لمن بعدهم لم يكن مرسلا إليهم واللازم منتف وبأنه لم يزل العلماء يحتجون على أهل الأعصار ممن بعد الصحابة بمثل ذلك، وهو إجماع على العموم لهم.
وأجيب: أما عن الأول فبأن الرسالة إنما تستدعي التبليغ في الجملة وهو لا يتوقف على المشافهة بل يكفي فيه حصوله للبعض شفاها وللبعض بنصب الدلائل والأمارات على أن حكمهم حكم الذين شافههم، وأما عن الثاني فبأنه لا يتعين أن يكون ذلك لتناوله لهم بل قد يكون لأنهم علموا أن حكمه ثابت عليهم بدليل آخر قاله غير واحد.
وفي شرح العلامة الثاني للشرح العضدي أن القول بعموم الشفاهي وإن نسب إلى الحنابلة ليس ببعيد. وقال بعض أجلّة المحققين: إنه المشهور حتى قالوا إن الحق أن العموم معلوم بالضرورة من الدين المحمدي وهو الأقرب، وقول العضد: إن إنكاره مكابرة حق لو كان الخطاب للمعدومين خاصة، أما إذا كان للموجودين والمعدومين على طريق التغليب فلا، ومثله فصيح شائع وكل ما استدل به على خلافه ضعيف انتهى. وإلى العموم ذهب كثير من الشافعية على أنه عندهم عام بحاق لفظه ومنطوقه من غير احتياج إلى دليل آخر، وقد قيل: إنه من قبيل الخطاب العام الذي أجري على غير ظاهره كما في قوله:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته | وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا |