أصل كفرهم المنطوي على هذين الكفرين وهو نسبة الولد إليه سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، ولم ينظمه سبحانه في سلك التبكيت لمشاركتهم اليهود القائلين عزير ابن الله والنصارى المعتقدين عيسى ابن الله تعالى الله عن ذلك، والفاء قيل لترتيب الأمر على ما يعلم مما سبق من كون أولئك الرسل أعلام الخلق عليهم السلام عباده تعالى فإن ذلك مما يؤكد التبكيت ويظهر بطلان مذهبهم الفاسد فكأنه قيل: إذا كان رسل ربك من علمت حالهم فاستخبر هؤلاء الكفرة عن وجه كون البنات وهن أوضع الجنسين له تعالى بزعمهم والبنين الذين هم أرفعهما لهم فإنهم لا يستطيعون أن يثبتوا له وجها لأنه في غاية البطلان لا يقوله من له أدنى شيء من العقل، وقال بعض الأجلة: الكلام متصل بقوله تعالى في أول السورة فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً [الصافات: ١١] على أن الفاء هنا للعطف على ذاك، والتعقيب لأنه أمر بهما من غير تراخ، وهي هناك جزائية في جواب شرط مقدر، وبهذا القول أقول. وأورد عليه أبو حيان أن فيه الفصل الطويل وقد استقبح النحاة الفصل بجملة نحو أكلت لحما وأضرب زيدا وخبزا فما ظنك بالفصل بجمل بل بما يقرب من سورة. وأجيب بأن ما ذكر في عطف المفردات وأما الجمل فلاستقلالها يغتفر فيها ذلك، والكلام هنا لما تعانقت معانيه وارتبطت مبانيه وأخذ بعضها بحجز بعض حتى كأن الجميع كلمة واحدة لم يعد البعد بعدا كما قيل:
وليس يضير البعد بين جسومنا | إذا كان ما بين القلوب قريبا |
وأضيف الرب إلى ضميره عليه الصلاة والسلام دون ضميرهم تشريفا لنبيه صلّى الله عليه وسلم وإشارة إلى أنهم في قولهم بالبنات له عز وجل كالنافين لربوبيته سبحانه لهم، وقوله سبحانه: أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً إضراب وانتقال من التبكيت بالاستفتاء السابق إلى التبكيت بهذا أي بل أخلقنا الملائكة الذين هم من أشرف الخلائق وأقواهم وأعظمهم تقدسا عن النقائص الطبيعية إناثا والأنوثة من أخس صفات الحيوان.
وقوله تعالى: وَهُمْ شاهِدُونَ استهزاء بهم وتجهيل لهم كقوله تعالى: أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ [الزخرف: ١٩] فإن أمثال هذه الأمور لا تعلم إلا بالمشاهدة إذ لا سبيل إلى معرفتها بطريق العقل وانتفاء النقل مما لا ريب فيه فلا بد أن يكون القائل بأنوثتهم شاهدا عند خلقهم، والجملة أما حال من فاعل خَلَقْنَا أي بل أخلقناهم إناثا والحال أنهم حاضرون حينئذ أو عطف على خَلَقْنَا أي بل أهم شاهدون.
وقول تعالى أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ استئناف من جهته تعالى غير داخل تحت الاستفتاء