وقد اعترفتم بذلك في غير ما موطن، وهذا ينافي دعواكم القرب ومحبة الله تعالى لكم أو محبتكم له المستلزمة لمحبته لكم كما قيل: ما جزاء من يحب إلا يحب، أو فلأيّ شيء أذنبتم بدليل أنكم ستعذبون، وأبناء الله تعالى إنما يطلق إن أطلق في مقام الافتخار على المطيعين كما نطقت به كتبكم، أو إن صح ما زعمتم فلم عذبكم بالمسخ الذي لا يسعكم إنكاره وعدّ بعضهم من العذاب البلايا والمحن كالقتل والأسر، واعترض ذلك بأنه لا يصلح للإلزام فإن البلايا والمحن قد كثرت في الصلحاء، وقد ورد «أشد الناس بلاء الأنبياء- عليهم السلام- ثم الأمثل فالأمثل»، وقال الشاعر:
ولكنهم أهل الحفائظ والعلا | فهم لملمات الزمان خصوم |
يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ أن يغفر له من أولئك المخلوقين وهم المؤمنون به تعالى وبرسله عليهم الصلاة والسلام وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ أن يعذبه وهم الذين كفروا به سبحانه وبرسله عليهم السلام مثلكم، والذي دل على التخصيص قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء: ٤٨] إن قلنا بعمومه كما هو المعروف المشهور، ومن الغريب ما في شرح مسلم للنووي أنه يحتمل أن يكون مخصوصا بهذه الأمة وفيه نظر.
هذا وأورد بعض المحققين هنا إشكالا ذكر أنه قوي وهو أنه إذا كان معنى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ تعالى أشياع بنيه فغاية الأمر أن يكونوا على طريقة الابن تحقيقا للتبعية لكن من أين يلزم أن يكونوا من جنس الأب كما صرح به الزمخشري في انتفاء فعل القبائح، وانتفاء البشرية والمخلوقية ليحسن الرد عليهم بأنهم بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ، نعم ما ذكروه في هذا المقام من استلزام المحبة عدم العصيان والمعاقبة ربما يتمشى لأن من شأن المحب أن لا يعصي الحبيب ولا يستحق منه المعاقبة ومن هنا قيل:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه | هذا لعمري في الفعال بديع |
لو كان حبك صادقا لأطعته | إن المحب لمن يحب مطيع |