فقد روي أن بني النضير لما تحاكموا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في خصومة قتيل وقعت بينهم وبين بني قريظة طلب بعضهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يحكم بينهم بما كان عليه أهل الجاهلية من التفاضل، فقال عليه الصلاة والسلام:
«القتلى بواء فقال بنو النضير: نحن لا نرضى بذلك» فنزلت،
وقرأ ابن عامر- تبغون- بالتاء، وهي إما على الالتفات لتشديد التوبيخ، وإما بتقدير القول أي قل لهم أَفَحُكْمَ إلخ، وقرأ ابن وثاب والأعرج وأبو عبد الرحمن وغيرهم أَفَحُكْمَ بالرفع على أنه مبتدأ، ويَبْغُونَ خبره، والعائد محذوف، وقيل: الخبر محذوف، والمذكور صفته أي حكم يبغون، واستضعف حذف العائد من الخبر، وذكر ابن جني أنه جاء الحذف منه كما جاء الحذف من الصلة والصفة كقوله:
قد أصبحت أم الخيار تدعي | عليّ ذنبا كله لم أصنع |
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب يعم حكمه كافة المؤمنين من المخلصين وغيرهم، وإن كان سبب وروده بعضا- كما ستعرفه إن شاء الله تعالى- ووصفهم بعنوان الإيمان لحملهم من أول الأمر على الانزجار عما نهوا عنه بقوله سبحانه وتعالى: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ فإن تذكير اتصافهم بضد صفات الفريقين من أقوى الزواجر عن موالاتهما أي لا يتخذ أحد منكم أحدا منهم وليا بمعنى لا تصافوهم مصافاة الأحباب ولا تستنصروهم.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: لما كانت وقعة أحد اشتد على طائفة من الناس وتخوفوا أن تدال عليهم الكفار، فقال رجل لصاحبه: أما أنا فألحق بذلك اليهودي فآخذ منه أمانا وأتهود معه فإني أخاف أن تدال علينا اليهود، وقال الآخر: أما أنا فألحق بفلان النصراني ببعض أرض الشام فآخذ منه أمانا وأتنصر معه، فأنزل الله تعالى فيهما ينهاهما يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلخ.
وأخرج ابن جرير وابن أبي شيبة عن عطية بن سعد قال: «جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إن لي موالي من يهود كثير عددهم وإني أبرأ إلى الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم من ولاية يهود وأتولى الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، فقال عبد الله بن أبيّ: إني رجل أخاف الدوائر لا أبرأ من ولاية موالي» فنزلت
بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أي بعض اليهود أولياء لبعض منهم، وبعض النصارى أولياء لبعض منهم، وأوثر الإجمال لوضوح المراد بظهور أن اليهود لا يوالون النصارى كالعكس، والجملة مستأنفة تعليلا للنهي قبلها وتأكيدا لإيجاب اجتناب المنهي عنه أي بعضهم أولياء بعض متفقون على كلمة واحدة في كل ما يأتون وما يذرون،