إلى ذواتهم والخروج عن حكم الوحدة الذاتية أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وهو الحكم الصادر عن مقام النفس بالجهل لا عن علم إلهي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ الحق فيحتجب ببعض الحجب فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ في الأزل لا لعلة وَيُحِبُّونَهُ كذلك ومرجع المحبة التي لا تتغير عند الصوفية الذات دون الصفات كما قاله الواسطي، وطعن فيه- كما قدمنا- الزمخشري، وحيث أحبهم- ولم يكونوا إلا في العلم- كان المحب والمحبوب واحدا في عين الجمع.
وقال السلمي: إنهم بفضل حبه لهم أحبوه وإلا فمن أين لهم المحبة لله تعالى وما للتراب ورب الأرباب؟! وشرط الحب- كما قال- أن يلحقه سكرات المحبة، وإلا فليس بحب حقيقة، وقالت أعرابية في صفة الحب: خفي أن يرى وجل أن يخفى فهو كامن ككمون النار في الحجر إن قدحته أورى وإن تركته توارى وإن لم يكن شعبة من الجنون فهو عصارة السحر، وهذا شأن حب الحادث فكيف شأن حب القديم جل شأنه، والكلام في ذلك طويل أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لمكان الجنسية الذاتية ورابطة المحبة الأزلية والمناسبة الفطرية بينهم أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ المحجوبين لضد ما ذكر يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بمحو صفاتهم وإفناء ذواتهم التي هي حجب المشاهدة وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ لفرط حبهم الذي هو الرشاد الأعظم للمتصف به:
وإذا الفتى عرف الرشاد لنفسه | هانت عليه ملامة العذال |
أجد الملامة في هواك لذيذة | حبا لذكرك فليلمني اللوّم |
ولا يخفى على المتأمل أن المآل متحد والمورد واحد، ومما تقرر يعلم أن قول الحلبي، ويحتمل وجها آخر وهو أن وليا زنة فعيل، وقد نص أهل اللسان أنه يقع للواحد والاثنين والجمع تذكيرا وتأنيثا بلفظ واحد- كصديق- غير واقع موقعه لأن الكلام في سر بياني وهو نكتة العدول من لفظ إلى لفظ، ولا يرد على ما قدمنا أنه لو كان التقدير كذلك لنا في حصر الولاية في الله تعالى ثم إثباتها للرسول صلّى الله عليه وسلّم وللمؤمنين، لأن الحصر باعتبار أنه سبحانه الولي أصالة وحقيقة، وولاية غيره إنما هي بالإسناد إليه عز شأنه الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ بدل من الموصول الأول، أو صفة له باعتبار إجرائه مجرى الأسماء لأن الموصول وصلة إلى وصف المعارف بالجمل