يمكنهم من تلك الصفات ليقربوا بها من الحق قربا بالصفة لا بالمكان فيأخذوا من الاتصاف بها شبها بالملائكة المقربين عند الله تعالى، والخلو من هذا الشوق لا يكون إلا لأحد أمرين إما لضعف المعرفة، وإما لكون القلب ممتلئا بشوق آخر مستغرقا به. والثالث السعي في اكتساب الممكن من تلك الصفات والتخلق بها والتحلي بمحاسنها، وبذلك يصير العبد ربانيا رفيقا للملأ الأعلى من الملائكة شبيها بهم، وحينئذ لا يؤثر القرب والبعد في إدراكه بل لا يقتصر إدراكه على ما يتصور فيه ذلك ويكون مقدسا عن الشهوة والغضب فلا تكون أفعاله بمقتضاها بل الداعي إليها حينئذ طلب التقرب إلى الله تعالى ولا يلزم من هذا إثبات المماثلة بين الله سبحانه وتعالى وبين العبد، وقد قال جل وعلا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١] لأن المماثلة هي المشاركة في النوع والماهية لا مطلق المشاركة فالفرس الكيس وإن كان بالغا في الكياسة ما بلغ لا يكون مماثلا للإنسان لمخالفته له بالنوع وإن شابهه بالكياسة التي هي عارضة خارجة عن المقومات الإنسانية وأنت تعلم بأدنى التفات أنه لا يتصور الشركة بين الله تعالى الحي العليم المريد القادر المتكلم السميع البصير وبين العبد المتصف بالحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر إلا في إطلاق الاسم لا غير، والكلام
في خبر «لا زال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل» إلخ
يستدعي الخوض في بحر لا ساحل له فخذ ما آتيناك وذر الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ يطلبون معانيها من غيره سبحانه وتعالى ويضيفونها إليه وهؤلاء مما ذرأهم سبحانه وتعالى لجهنم سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من الإلحاد وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ وهم المرشدون الكاملون وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا كالمنكرين على هؤلاء الأمة سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ انا سنستدرجهم وَأُمْلِي لَهُمْ أمهلهم إِنَّ كَيْدِي أخذي مَتِينٌ شديد، وقد جرت عادة الله تعالى في المنكرين على أوليائه أن يأخذهم أشد أخذ وقد شاهدنا ذلك كثيرا نعوذ بالله تعالى من مكره، أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وهي الآيات التكوينية، وقد تقدم معنى الملكوت وهو في مصطلح الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم عبارة عن عالم الغيب المختص بالأرواح والنفوس وفسروا الملك بعالم الشهادة من المحسوسات الطبيعية كالعرش والكرسي وغيرهما وكل جسم يتركب من الاستقصاءات مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ إذ لا هادي سواه سبحانه:
إلى الماء يسعى من يغص بلقمة | إلى أين يسعى من يغص بماء |
فقد أخرج ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال: حمل بن أبي قشير وسمول بن زيد لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أخبرنا متى الساعة إن