الفاعل موضوع للحال فالمتيقن أصل الدخول والمظنون الدخول حالا وفي مصحف عبد الله «ملاقوها» وكذلك قرأ الأعمش وابن غزوان عن طلحة، واختير جعلها تفسيرا لمخالفتها سواد المصحف، وعن علقمة أنه قرأ «ملافّوها» بالفاء مشددة من لف الشيء وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً أي مكانا ينصرفون إليها.
قال أبو كبير الهذلي:
أزهير هل عن شيبة بن مصرف | أم لا خلود لباذل متكلف |
وَكانَ الْإِنْسانُ بحسب جبلته أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا أي أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدل، وهو كما قال الراغب وغيره المنازعة بمفاوضة القول، والأليق بالمقام أن يراد به هنا الخصومة بالباطل والمماراة وهو الأكثر في الاستعمال. وذكر غير واحد أنه مأخوذ من الجدل وهو الفتل والمجادلة الملاواة لأن كلا من المتجادلين يلتوي على صاحبه، وانتصابه على التمييز، والمعنى أن جدل الإنسان أكثر من جدل كل مجادل وعلل بسعة مضطربه فإنه بين أوج الملكية وحضيض البهيمية فليس له في جانبي التصاعد والتسفل مقام معلوم.
والظاهر أنه ليس المراد إنسانا معينا، وقيل المراد به النضر بن الحارث، وقيل ابن الزبعرى، وقال ابن السائب:
أبي بن خلف وكان جداله في البعث حين أتي بعظم قد رم فقال: أيقدر الله تعالى على إعادة هذا وفته بيده؟ والأول أولى، ويؤيده ما
أخرجه الشيخان وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي كرم الله تعالى وجهه «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم طرقه وفاطمة ليلا فقال: ألا تصليان فقلت يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله تعالى إن شاء أن يبعثنا بعثنا فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلي شيئا ثم سمعته يضرب فخذه ويقول وكان الإنسان أكثر شيء جدلا
فإنه ظاهر في حمل الإنسان على العموم، ولا شبهة في صحة الحديث إلا أن فيه إشكالا يعرف بالتأمل، ولا يدفعه ما ذكره النووي حيث قال: المختار في معناه أنه صلّى الله عليه وسلّم تعجب من سرعة جوابه وعدم موافقته له على الاعتذار بهذا ولهذا ضرب فخذه، وقيل قال صلّى الله عليه وسلّم ذلك تسليما لعذرهما وإنه لا عتب اه فتأمل وَما مَنَعَ النَّاسَ قال ابن عطية وغيره: المراد بهم كفار قريش الذين حكيت أباطيلهم، وما نافية.
وزعم بعضهم وهو من الغرابة بمكان أنها استفهامية أي أي شيء منعهم أَنْ يُؤْمِنُوا أي من إيمانهم بالله تعالى وترك ما هم فيه من الإشراك إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى أي القرآن العظيم الهادي إلى الإيمان بما فيه من فنون المعاني الموجبة له أو الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وإطلاق الهدى على كل للمبالغة وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ بالتوبة عما فرط منهم من أنواع الذنوب التي من جملتها مجادلتهم الحق بالباطل، وفائدة ذكر هذا بعد الإيمان التعميم على ما قيل.