وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ مَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ سَهْلٍ الْمَذْكُورِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ: " تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ. أَوْ: صَاحِبَكُمْ.. " الْحَدِيثَ، قَالُوا: فَعَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ " قَاتِلَكُمْ " فَهِيَ صَرِيحٌ فِي الْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ. وَعَلَى أَنَّهَا " صَاحِبَكُمْ " فَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِذَلِكَ احْتِمَالًا قَوِيًّا. وَأُجِيبَ مِنْ جِهَةِ الْمُخَالِفِ بِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهَا لِلشَّكِّ فِي اللَّفْظِ الَّذِي قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ " صَاحِبَكُمْ " لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَقْتُولَ، وَأَنَّ الْمَعْنَى: تَسْتَحِقُّونَ دِيَتَهُ. وَالِاحْتِمَالُ الْمُسَاوِي يُبْطِلُ الِاسْتِدْلَالَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْأُصُولِ ; لِأَنَّ مُسَاوَاةَ الِاحْتِمَالَيْنِ يَصِيرُ بِهَا اللَّفْظُ مُجْمَلًا، وَالْمُجْمَلُ يَجِبُ التَّوَقُّفُ عَنْهُ حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مِنْهُ.
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تُسَمُّونَ قَاتِلَكُمْ ثُمَّ تَحْلِفُونَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ نُسَلِّمُهُ ".
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ " قَالُوا: مَعْنَى " دَمَ صَاحِبِكُمْ " قَتْلُ الْقَاتِلِ.
وَأُجِيبَ مِنْ جِهَةِ الْمُخَالِفِ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ " بِدَمِ صَاحِبِكُمْ " الدِّيَةُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ قَوِيٌّ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْعَرَبَ تُطْلِقُ الدَّمَ عَلَى الدِّيَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
أَكَلْتُ دَمًا إِنْ لَمْ أَرُعْكِ بِضَرَّةٍ | بَعِيدَةِ مَهْوَى الْقُرْطِ طَيِّبَةِ النَّشْرِ |