وَالضَّمَائِرُ الرَّاجِعَةُ إِلَى الْمُضَافِ الْمَذْكُورِ الْمَجْمُوعِ لَفْظًا وَهُوَ مُثَنَّى مَعْنًى يَجُوزُ فِيهَا الْجَمْعُ نَظَرًا إِلَى اللَّفْظِ، وَالتَّثْنِيَةُ نَظَرًا إِلَى الْمَعْنَى، فَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ:
خَلِيلَيَّ لَا تَهْلِكْ نُفُوسُكُمَا أَسًى | فَإِنَّ لَهُمَا فِيمَا بِهِ دُهِيتُ أَسًى |
قُلُوبُكُمَا يَغْشَاهُمَا الْأَمْنُ عَادَةً | إِذَا مِنْكُمَا الْأَبْطَالُ يَغْشَاهُمُ الذُّعْرُ |
أَقَلُّ مَعْنَى الْجَمْعِ فِي الْمُشْتَهِرِ | الِاثْنَانِ فِي رَأْيِ الْإِمَامِ الْحُمَيْرِي |
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى.
الْمَعْصِيَةُ خِلَافَ الطَّاعَةِ. فَقَوْلُهُ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى أَيْ: لَمْ يُطِعْهُ فِي اجْتِنَابِ مَا نَهَاهُ عَنْهُ مِنْ قُرْبَانِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ.
وَقَوْلُهُ: فَغَوَى الْغَيُّ: الضَّلَالُ، وَهُوَ الذَّهَابُ عَنْ طَرِيقِ الصَّوَابِ. فَمَعْنَى الْآيَةِ: لَمْ يُطِعْ آدَمُ رَبَّهُ فَأَخْطَأَ طَرِيقَ الصَّوَابِ بِسَبَبِ عَدَمِ الطَّاعَةِ، وَهَذَا الْعِصْيَانُ، وَالْغَيُّ بَيَّنَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ: أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ مِنَ الْجَنَّةِ رَغَدًا حَيْثُ شَاءَا، وَنَهَاهُمَا أَنْ يَقَرَبَا شَجَرَةً مُعَيَّنَةً مِنْ شَجَرِهَا. فَلَمْ يَزَلِ الشَّيْطَانُ يُوَسْوِسُ لَهُمَا وَيَحْلِفُ لَهُمَا بِاللَّهِ إِنَّهُ لَهُمَا لَنَاصِحٌ، وَإِنَّهُمَا إِنْ أَكَلَا مِنْهَا نَالَا الْخُلُودَ وَالْمُلْكَ الَّذِي لَا يَبْلَى. فَخَدَعَهُمَا بِذَلِكَ كَمَا نَصَّ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ [٧ ٢١]، فَأَكَلَا مِنْهَا. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: مَنْ خَادَعَنَا بِاللَّهِ خَدَعَنَا. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالْحَاكِمِ: «الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ، وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ». وَأَنْشَدَ لِذَلِكَ نَفْطَوَيْهِ:
إِنَّ الْكَرِيمَ إِذَا تَشَاءُ خَدَعْتَهُ | وَتَرَى اللَّئِيمَ مُجَرِّبًا لَا يُخْدَعُ |