صَرِيحٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ يُقَاوِمُهَا، وَرِوَايَةُ جَابِرٍ أَنَّ الْبَدَنَةَ تَكْفِي فِي الْهَدْيِ، عَنْ سَبْعَةٍ أَخَصُّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْبَعِيرَ فِي الْقِسْمَةِ يَعْدِلُ عَشْرًا مِنَ الْغَنَمِ» ; لِأَنَّ هَذَا فِي الْقِسْمَةِ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِي خُصُوصِ الْهَدْيِ، وَالْأَخَصُّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَعَمِّ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي «الْفَتْحِ» فِي شَرْحِ حَدِيثِ رَافِعٍ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ بِلَفْظٍ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ فَعَجَّلُوا فَنَصَبُوا الْقُدُورَ، فَدَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِمْ فَأَمَرَ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ قَسَّمَ فَعَدَلَ عَشْرًا مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ فَنَّدَ مِنْهَا بَعِيرٌ»، الْحَدِيثَ.
وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ قِيمَةَ الْغَنَمِ إِذْ ذَاكَ، فَلَعَلَّ الْإِبِلَ كَانَتْ قَلِيلَةً، أَوْ نَفِيسَةً، وَالْغَنَمُ كَانَتْ كَثِيرَةً، أَوْ هَزِيلَةً بِحَيْثُ كَانَتْ قِيمَةُ الْبَعِيرِ عَشْرَ شِيَاهٍ، وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ الْقَاعِدَةَ فِي الْأَضَاحِيِّ، مِنْ أَنَّ الْبَعِيرَ يُجْزِئُ عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ ; لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْغَالِبُ فِي قِيمَةِ الشَّاةِ وَالْبَعِيرِ الْمُعْتَدِلَيْنِ. وَأَمَّا هَذِهِ الْقِسْمَةُ، فَكَانَتْ وَاقِعَةَ عَيْنٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّعْدِيلُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ نَفَاسَةِ الْإِبِلِ، دُونَ الْغَنَمِ.
وَحَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ، حَيْثُ قَالَ فِيهِ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ» وَالْبَدَنَةُ تُطْلَقُ عَلَى النَّاقَةِ، وَالْبَقَرَةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ الْأَضْحَى فَاشْتَرَكْنَا فِي الْبَقَرَةِ تِسْعَةٌ، وَفِي الْبَدَنَةِ عَشَرَةٌ» فَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَعَضَّدَهُ بِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ هَذَا. وَالَّذِي يَتَحَرَّرُ فِي هَذَا أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْبَعِيرَ بِسَبْعٍ مَا لَمْ يَعْرِضْ عَارِضٌ مِنْ نَفَاسَةٍ، وَنَحْوِهَا، فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنَ الْقِسْمَةِ الْمَذْكُورَةِ، أَنَّهَا وَقَعَتْ فِيمَا عَدَا مَا طُبِخَ وَأُرِيقَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، الَّتِي كَانُوا غَنِمُوهَا، وَيُحْتَمَلُ إِنْ كَانَتِ الْوَاقِعَةُ تَعَدَّدَتْ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، أُتْلِفَ فِيهَا اللَّحْمُ لِكَوْنِهِ كَانَ قُطِّعَ لِلطَّبْخِ، وَالْقِصَّةُ الَّتِي فِي حَدِيثِ رَافِعٍ طُبِخَتِ الشِّيَاهُ صِحَاحًا مَثَلًا، فَلَمَّا أُرِيقَ مَرَقُهَا ضُمَّتْ إِلَى الْغَنَمِ لِتُقَسَّمَ، ثُمَّ يَطْبُخُهَا مَنْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ النُّكْتَةُ فِي انْحِطَاطِ قِيمَةِ الشِّيَاهِ، عَنِ الْعَادَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ.