الطِّرَازِ وَابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِنْ مَاتَ، يَعْنِي الْمُتَمَتِّعَ قَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ.
ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَجِبُ فِي الْوَقْتِ، الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِيهِ نَحْرُهُ، وَهُوَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ.
ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْتُ: ظَاهِرُهُ لَوْ مَاتَ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ رَمْيِهِ: لَمْ يَجِبْ، وَهُوَ خِلَافُ نَقْلِ النَّوَادِرِ، عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَنْ سَمَاعِ عِيسَى: مَنْ مَاتَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَمْ يَرْمِ فَقَدْ لَزِمَهُ الدَّمُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ يُوهِمُ وُجُوبَهُ عَلَى مَنْ مَاتَ قَبْلَ وُقُوفِهِ، وَلَا أَعْلَمُ فِي سُقُوطِهِ خِلَافًا.
وَلِعَبْدِ الْحَقِّ، عَنِ ابْنِ الْكَاتِبِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: مَنْ مَاتَ بَعْدَ وُقُوفِهِ، فَعَلَيْهِ الدَّمُ. انْتَهَى مِنَ الْحَطَّابِ.
فَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ مَاتَ، إِلَّا إِذَا كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَفِيهِ قَوْلٌ بِلُزُومِهِ، إِنْ مَاتَ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَأَضْعَفُهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، إِنْ مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. أَمَّا لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ الدَّمِ عَلَيْهِ مِنْ عَامَّةِ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: إِنَّهُ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ لَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ شَيْءٌ، إِلَّا جَوَازُ إِشْعَارِهِ وَتَقْلِيدِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَشْعَرَهُ، أَوْ قَلَّدَهُ قَبْلَ إِحْرَامِ الْحَجِّ، كَانَ هَدْيَ تَطَوُّعٍ، فَلَا يُجْزِئُ عَنْ هَدْيِ التَّمَتُّعِ، فَلَوْ قَلَّدَهُ، وَأَشْعَرَهُ بَعْدَ إِحْرَامِ الْحَجِّ أَجْزَأَهُ ; لِأَنَّهُ قَلَّدَهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ: أَيْ بَعْدَ انْعِقَادِ الْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ، وَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّهُ لَوْ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ قَبْلَ إِحْرَامِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَخَّرَ ذَبْحَهُ إِلَى وَقْتِهِ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ هَدْيِ التَّمَتُّعِ، وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَأَجْزَأَ قَبْلَهُ أَيْ: أَجْزَأَ الْهَدْيُ الَّذِي تَقَدَّمَ تَقْلِيدُهُ، وَإِشْعَارُهُ عَلَى إِحْرَامِ الْحَجِّ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ عَامَّةِ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ. فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمُجْزِئَ هُوَ نَحْرُهُ قَبْلَ إِحْرَامِ الْحَجِّ، أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ وَقْتِ النَّحْرِ. فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا.
قَالَ الشَّيْخُ الْمَوَّاقُ فِي شَرْحِهِ قَوْلَ خَلِيلٍ «وَأَجْزَأَ قَبْلَهُ» مَا نَصُّهُ: ابْنُ عَرَفَةَ يُجْزِئُ تَقْلِيدُهُ، وَإِشْعَارُهُ بَعْدَ إِحْرَامِ حَجِّهِ، وَيَجُوزُ أَيْضًا قَبْلَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. انْتَهَى مِنْهُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ الْحَطَّابَ فِي شَرْحِهِ لِقَوْلِ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَدَمُ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ وَأَجْزَأَ قَبْلَهُ مَا نَصُّهُ:
فَإِنْ قُلْتَ: إِذَا كَانَ هَدْيُ التَّمَتُّعِ إِنَّمَا يُنْحَرُ بِمِنًى، إِنْ وَقَفَ بِهِ بِعَرَفَةَ، أَوْ بِمَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا سَيَأْتِي فَمَا فَائِدَةُ الْوُجُوبِ هُنَا؟