وَأَنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِهِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَاخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ جَوَازُ ذَبْحِهِ بِإِحْرَامِ الْمُتْعَةِ.
وَرِوَايَةُ أَبِي طَالِبٍ: جَوَازُ ذَبْحِهِ إِنْ قَدِمَ بِهِ. قَبْلَ الْعَشْرِ، كِلَاهُمَا ضَعِيفٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَلَا يُعَضِّدُهُ دَلِيلٌ، وَالتَّعْلِيلُ بِخَوْفِ الْمَوْتِ وَالضَّيَاعِ وَالسَّرِقَةِ مُنْتَقَضٌ بِمَا إِذَا قَدِمَ بِهِ فِي الْعَشْرِ ; لِأَنَّ الْعَشْرَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَمُوتَ فِيهَا، أَوْ يَضِيعَ، أَوْ يُسْرَقَ كَمَا تَرَى وَالتَّحْدِيدُ بِنَفْسِ الْعَشْرِ، لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ نَصٍّ وَلَا قِيَاسٍ، فَبُطْلَانُهُ وَاضِحٌ لِعَدَمِ اعْتِضَادِهِ بِشَيْءٍ غَيْرِ احْتِمَالِ الْمَوْتِ وَالضَّيَاعِ وَالسَّرِقَةِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْهَدْيِ الَّذِي قُدِّمَ بِهِ فِي الْعَشْرِ، مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كِلَيْهِمَا السَّلَامَةُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: هُوَ أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ، هُوَ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» : وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَدَاوُدُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يَجِبُ حَتَّى يَقِفَ بِعَرَفَاتٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجِبُ حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَأَمَّا وَقْتُ جَوَازِ ذَبْحِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، قَالُوا: لِأَنَّ الذَّبْحَ قُرْبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ، فَلَا تَجُوزُ قَبْلَ وُجُوبِهَا، كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعُمْرَةِ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ يَجِبُ بِسَبَبَيْنِ، فَجَازِ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا، كَالزَّكَاةِ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَقَبْلَ الْحَوْلِ، أَمَّا جَوَازُ ذَبْحِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، فَلَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، كَمَا أَنَّ ذَبْحَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ، بِلَا خِلَافٍ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا نَقْلَ النَّوَوِيِّ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِهِ هُوَ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، أَمَّا وَقْتُ نَحْرِهِ فَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ: يَوْمُ النَّحْرِ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَإِنْ قَدَّمَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَيَنْبَغِي تَحْقِيقُ الْفَرْقِ بَيْنَ وَقْتِ الْوُجُوبِ، وَوَقْتِ النَّحْرِ ; لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ إِنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ، فِيمَا لَوْ مَاتَ الْمُحْرِمُ هَلْ يُخْرَجُ الْهَدْيُ مِنْ تَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَيَتَعَيَّنُ بِهِ وَقْتُ ثُبُوتِ الْعُذْرِ الْمُجِيزِ لِلِانْتِقَالِ إِلَى الصَّوْمِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ دُخُولِ وَقْتِ الْوُجُوبِ، جَوَازُ الذَّبْحِ.


الصفحة التالية
Icon