نَدْبٍ مَا نَصُّهُ: وَوُقُوعُهُ بَيَانًا... إِلَخْ. يَعْنِي أَنَّ وُقُوعَ الْفِعْلِ بَيَانًا لِنَصٍّ مُجْمَلٍ إِنْ كَانَ مَدْلُولُ النَّصِّ وَاجِبًا، فَالْفِعْلُ الْمُبَيَّنُ بِهِ ذَلِكَ النَّصُّ وَاجِبٌ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا فَمَنْدُوبٌ. سَوَاءٌ كَانَ الْفِعْلُ الْمُبَيِّنُ لِلنَّصِّ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ بَيَانًا قَرِينَةً أَوْ قَوْلًا.
قَالَ شَارِحُهُ صَاحِبُ " الضِّيَاءِ اللَّامِعِ "، مَا نَصُّهُ: الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ إِمَّا بِقَرِينَةِ حَالٍ مِثْلِ الْقَطْعِ مِنَ الْكُوعِ، فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [٥ ٣٨]، وَإِمَّا بِقَوْلٍ مِثْلِ قَوْلِهِ: " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي "، فَإِنَّ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَلَمْ تُبَيَّنْ صِفَاتُهَا فَبَيَّنَهَا بِفِعْلِهِ، وَأَخْبَرَ بِقَوْلِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ بَيَانٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ: " خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ "، وَحُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ وُجُوبُ الِاتِّبَاعِ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ، وَهُوَ وَاضِحٌ فِيمَا ذَكَرْنَا وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا فَجَمِيعُ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَالصَّلَاةِ الَّتِي بَيَّنَ بِهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آيَاتِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ يَجِبُ حَمْلُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا، عَلَى الْوُجُوبِ إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ دَلِيلٌ خَاصٌّ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأُصُولِيِّ: مَسْأَلَةُ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا وَضَحَ فِيهِ أَمْرُ الْجِبِلَّةِ، كَالْقِيَامِ، وَالْقُعُودِ، وَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، أَوْ تَخْصِيصُهُ، كَالضُّحَى، وَالْوِتْرِ، وَالتَّهَجُّدِ، وَالْمُشَاوَرَةِ، وَالتَّخْيِيرِ، وَالْوِصَالِ وَالزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ فَوَاضِحٌ، وَمَا سِوَاهُمَا إِنْ وَضَحَ أَنَّهُ بَيَانٌ بُقُولٍ أَوْ قَرِينَةٍ مِثْلِ: صَلُّوا، وَخُذُوا، وَكَالْقَطْعِ مِنَ الْكُوعِ وَالْغَسْلِ إِلَى الْمَرَافِقِ، اعْتُبِرَ اتِّفَاقًا. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: اعْتُبِرَ اتِّفَاقًا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُبَيَّنُ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ وَاجِبًا، فَالْفِعْلُ الْمُبَيَّنُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَاجِبٌ ; لِأَنَّ الْمُبَيَّنَ بِحَسْبِ الْمُبِيِّنِ، وَقَالَ شَارِحُهُ الْعَضُدُ: فَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ بَيَانٌ لِنَصٍّ عَلَى جِهَتِهِ مِنَ الْوُجُوبِ، وَالنَّدْبِ، وَالْإِبَاحَةِ اعْتُبِرَ عَلَى جِهَةِ الْمُبَيِّنِ مِنْ كَوْنِهِ خَاصًّا وَعَامًّا اتِّفَاقًا، وَمَعْرِفَةُ كَوْنِهِ بَيَانًا إِمَّا بُقُولٍ، وَإِمَّا بِقَرِينَةٍ، فَالْقَوْلُ نَحْوُ: " خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ "، وَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي "، وَالْقَرِينَةُ مِثْلُ: أَنْ يَقَعَ الْفِعْلُ بَعْدَ إِجْمَالٍ، كَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنَ الْكُوعِ، دُونَ الْمِرْفَقِ وَالْعَضُدِ بَعْدَ مَا نَزَلَ قَوْلُهُ: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا، وَالْغَسْلُ إِلَى الْمَرَافِقِ، بِإِدْخَالِ الْمَرَافِقِ، أَوْ إِخْرَاجِهَا بَعْدَ مَا نَزَلَتْ: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [٥ ٦] انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ، وَهُوَ وَاضِحٌ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُبَيِّنَ لِنَصٍّ دَالٍّ عَلَى وَاجِبٍ، يَكُونُ وَاجِبًا ; لِأَنَّ الْبَيَانَ بِهِ بَيَانٌ لِوَاجِبٍ، كَمَا هُوَ وَاضِحٌ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ فِي " مَرَاقِي السُّعُودِ "، بِقَوْلِهِ:

مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَبِالنَّصِّ يُرَى وَبِالْبَيَانِ وَامْتِثَالٍ ظَهَرَا
وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْهُ قَوْلُهُ: وَبِالْبَيَانِ. وَقَالَ فِي شَرْحِهِ " نَشْرِ الْبُنُودِ " فِي مَعْنَى قَوْلِهِ:


الصفحة التالية
Icon