- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ غَنَمًا يَوْمَ النَّحْرِ فِي أَصْحَابِهِ وَقَالَ:» اذْبَحُوا لِعُمْرَتِكُمْ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْكُمْ «فَأَصَابَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ تَيْسٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ. انْتَهَى مِنْهُ.
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ مُبَيِّنَةٌ أَنَّ ذَبْحَهُمْ عَنْ عُمْرَتِهِمْ، إِنَّمَا كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا الْحَاكِمُ ; لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ، وَلَقَدْ صَدَقَ الْهَيْثَمِيُّ فِي أَنَّ رِجَالَهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ ; لِأَنَّ أَحْمَدَ رَوَاهُ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمِصِّيصِيِّ الْأَعْوَرِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ مُجَالِدٍ، وَهُوَ تِرْمِذِيُّ الْأَصْلِ سَكَنَ بَغْدَادَ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى الْمِصِّيصَةِ، أَخْرَجَ لَهُ الْجَمِيعُ. وَقَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّقْرِيبِ» : ثِقَةٌ ثَبْتٌ، لَكِنَّهُ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، لَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَقَالَ فِيهِ فِي «تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ»، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ثَنَاءً عَلَيْهِ كَثِيرًا مِنْ نُقَّادِ رِجَالِ الْحَدِيثِ، كَانَ ثِقَةً صَدُوقًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَانَ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ حِينَ رَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ إِنَّمَا أَخَذَ عَنْهُ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ فِي بَغْدَادَ قَبْلَ الْمِصِّيصَةِ، ثُمَّ رَجَعَ مِنَ الْمِصِّيصَةِ إِلَى بَغْدَادَ فِي حَاجَةٍ لَهُ، فَمَاتَ بِهَا وَاخْتِلَاطُهُ فِي رُجُوعِهِ الْأَخِيرِ كَمَا يَعْلَمُهُ مَنْ نَظَرَ تَرْجَمَتَهُ فِي كُتُبِ الرِّجَالِ، وَحَجَّاجٌ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ الْجَمِيعُ وَهُوَ ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ مَعْرُوفٌ وَكَانَ يُدَلِّسُ وَيُرْسِلُ، وَلَكِنَّهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ صَرَّحَ بِالْإِخْبَارِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَاوِي الْحَدِيثِ عَنْ أَحْمَدَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَجَلَالَتُهُ مَعْرُوفَةٌ، فَظَهَرَ صِحَّةُ الْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ كَمَا قَالَهُ فِي «مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ»، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ رَأَيْتُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَدِلَّةَ مَنْ قَالَ: بِجَوَازِ ذَبْحِ هَدْيِ التَّمَتُّعِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَمَنْ قَالَ: بِجَوَازِهِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعُمْرَةِ، وَأَدِلَّةَ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَمُنَاقَشَتَهَا.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: الَّذِي يَظْهَرُ لِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لِأَدِلَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ، أَوْضَحْنَاهَا غَايَةَ الْإِيضَاحِ قَرِيبًا.
مِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ فَعَلَ فَلَمْ يَذْبَحْ عَنْ أَزْوَاجِهِ الْمُتَمَتِّعَاتِ وَلَا عَنْ عَائِشَةَ الْقَارِنَةِ إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ هُوَ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ الْمُتَمَتِّعِينَ بِأَمْرِهِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ عَمَلُ الْأُمَّةِ، وَلَنَا فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. وَقَدْ أَمَرَنَا أَنْ نَأْخُذَ عَنْهُ مَنَاسِكَنَا، وَمِنْ مَنَاسِكِنَا وَقْتُ ذَبْحِ الْهَدَايَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ هَدْيٍ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْحَجِّ أَنَّ ذَبْحَهُ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ، لَا فِي أَيَّامٍ مَجْهُولَاتٍ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ مِرَارًا ; لِأَنَّهُ تَعَالَى


الصفحة التالية
Icon