وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، كَمَا أَنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ الْآيَةَ [٣ ٩٧]. وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَيِّنًا أَنَّ أَفْعَالَهُ فِي الْحَجِّ، بَيَانٌ لِلْقُرْآنِ: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»، وَقَدْ قَدَّمْنَا اتِّفَاقَ الْأُصُولِيِّينَ، عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي هُوَ بَيَانٌ لِإِجْمَالِ نَصٍّ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ: أَنَّهُ وَاجِبٌ إِلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ.
وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ ذَبْحِ هَدْيِ التَّمَتُّعِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعُمْرَةِ كَالشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، لَيْسَ مَعَهُمْ حُجَّةٌ وَاضِحَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فِعْلِ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَنَّ تَمَسُّكَهُمْ بِآيَةِ: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَبَعْضِ الْأَحَادِيثِ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ حُجَّةٌ نَاهِضَةٌ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
تَنْبِيهٌ
اعْلَمْ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْحُجَّاجِ - الَّذِينَ يَزْعُمُونَ التَّقَرُّبَ بِالْهَدْيِ يَوْمَ النَّحْرِ - مِنْ ذَبْحِ الْغَنَمِ فِي أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ مِنًى لَا يَقْدِرُ الْفُقَرَاءُ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهَا، وَالتَّمَكُّنِ مِنْهَا، وَتَرْكِهَا مَذْبُوحَةً لَيْسَ بِقُرْبِهَا فَقِيرٌ يَنْتَفِعُ بِهَا، وَتَضِيعُ تِلْكَ الْغَنَمُ بِكَثْرَةٍ وَتَنْتَفِخُ وَيَنْتَشِرُ نَتَنُ رِيحِهَا فِي أَقْطَارِ مِنًى، حَتَّى يَعُمَّ أَرْجَاءَهَا النَّتَنُ كَأَنَّهُ نَتَنُ الْجِيَفِ، أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ إِلَى الْمَعْصِيَةِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الطَّاعَةِ. وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ بَسَطَ اللَّهُ يَدَهُ إِقْرَارُهُمْ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ فَسَادٌ وَأَذِيَّةٌ لِسَائِرِ الْحُجَّاجِ بِالْأَرْوَاحِ الْمُنْتِنَةِ، وَإِضَاعَةٌ لِلْمَالِ، وَإِفْسَادٌ لَهُ بِاسْمِ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ، وَدَوَاءُ ذَلِكَ الدَّاءِ الْمُنْتَشِرِ فِي مِنًى كُلَّ سَنَةٍ أَنْ يَعْلَمَ كُلُّ مُهْدٍ وَكُلُّ مُضَحٍّ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِيصَالُ لَحْمِ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى الْفُقَرَاءِ، فَعَلَيْهِ إِذَا ذَبَحَهَا أَنْ يُؤَجِّرَ مَنْ يَسْلَخُهَا طَرِيَّةً حِينَ ذَبْحِهَا أَوْ يَسْلَخُهَا هُوَ، وَيَحْمِلُهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِأُجْرَةٍ، حَتَّى يُوصِلَهَا إِلَى الْمُسْتَحِقِّينَ ; لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [٢٢ ٢٨]، وَيَقُولُ: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [٢٢ ٣٦] وَلَا يُمْكِنُهُ إِطْعَامُ أَحَدٍ مِمَّنْ أَمَرَهُ اللَّهُ بِإِطْعَامِهِمْ إِلَّا بِإِيصَالِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ، وَلَوِ اجْتَهَدَ فِي إِيصَالِهِ إِلَيْهِمْ، لَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ بَسَطَ اللَّهُ يَدَهُ أَنْ يُعِينَ الْحُجَّاجَ الْمُتَقَرِّبِينَ بِالدِّمَاءِ عَلَى طَرِيقِ الْإِيصَالِ إِلَى الْفُقَرَاءِ بِالطُّرُقِ الْكَفِيلَةِ بِتَيْسِيرِ ذَلِكَ كَتَهْيِئَةِ عَدَدٍ ضَخْمٍ مِنَ الْعَامِلِينَ لِلْإِيجَارِ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى سَلْخِ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا طَرِيَّةً، وَحَمْلِ لُحُومِهَا إِلَى الْفُقَرَاءِ فِي أَمَاكِنِهِمْ، وَكَتَعَدُّدِ مَوَاضِعِ الذَّبْحِ فِي أَرْجَاءِ مِنًى، وَفِجَاجِ مَكَّةَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الطُّرُقِ الْمُعِينَةِ عَلَى إِيصَالِ الْحُقُوقِ لِمُسْتَحِقِّيهَا.