النَّحْرِ، أَفْطَرَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَصَامَ عِنْدَ مَالِكٍ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، فَإِنْ لَمْ يَصُمْهَا، حَتَّى رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ وَلَهُ بِهِ مَالٌ لَزِمَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِالْهَدْيِ، إِلَى الْحَرَمِ، وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصِّيَامَ ; لِيُهْدِيَ مِنْ بَلَدِهِ، وَفِي صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، لِلْمُتَمَتِّعِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: قَوْلَانِ. وَعَنْ أَحْمَدَ: رِوَايَتَانِ فِيهِمَا. وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ صَوْمَهَا. وَأَنَّ مَالِكًا يُجِيزُهُ وَيَكْفِي عِنْدَهُ فِي صَوْمِ السَّبْعَةِ الرُّجُوعُ مِنْ مِنًى.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ صَوْمَهَا بَعْدَ الرُّجُوعِ إِلَى أَهْلِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحِ. فَمَا يُرْوَى عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ مِنَ الرِّوَايَاتِ لَا يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ، لِمُخَالَفَتِهِ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ. وَلَفْظُهُ: «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ» الْحَدِيثَ، هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: «فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ»، فَلَفْظَةُ: «إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ» فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ تَفْسِيرٌ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [٢ ١٩٦]، وَإِذَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: تَفْسِيرُ الرُّجُوعِ فِي الْآيَةِ بِرُجُوعِهِ إِلَى أَهْلِهِ، فَلَا وَجْهَ لِلْعُدُولِ عَنْهُ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: «وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى أَمْصَارِكُمْ»، وَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَوْمَ السَّبْعَةِ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى أَهْلِهِ، لَا فِي رُجُوعِهِ إِلَى مَكَّةَ، وَلَا فِي طَرِيقِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ النُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَا، بَلْ صَرِيحُهَا، وَالْعُدُولُ عَنِ النَّصِّ بِلَا دَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ لَا يَجُوزُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي: أَنَّهُ إِنْ صَامَ السَّبْعَةَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ، فَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: مِنْ أَنَّهُ يَرَى إِجْزَاءَهَا لَا وَجْهَ لَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
بَلْ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: بِمُقْتَضَى النُّصُوصِ، وَقَالَ لَا تُجْزِئُ قَبْلَ رُجُوعِهِ إِلَى أَهْلِهِ، لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ وَاضِحٌ ; لِأَنَّ مَنْ قَدَّمَهَا قَبْلَ الرُّجُوعِ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَدْ خَالَفَ لَفْظَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الثَّابِتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ لَفْظٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فِي مَعْرِضِ تَفْسِيرِ آيَةِ: وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ وَالْعُدُولُ عَنْ لَفْظِهِ الصَّرِيحِ، الْمُبَيِّنِ لِمَعْنَى الْقُرْآنِ. لَوْ قِيلَ: بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فَاعِلَهُ، لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَاجِزَ عَنِ الْهَدْيِ فِي حَجِّهِ يَنْتَقِلُ إِلَى الصَّوْمِ وَلَوْ غَنِيًّا فِي بَلَدِهِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ عَجَزَ وَابْتَدَأَ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ، بَعْدَ أَنْ صَامَ يَوْمًا مِنْهَا أَوْ يَوْمَيْنِ،


الصفحة التالية
Icon