لِلسُّنَّةِ، فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَهَذَا أَظْهَرُ عِنْدِي. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَبِنَحْوِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ»، قَائِلًا: إِنَّ تَأْخِيرَ الطَّوَافِ بَعِيدٌ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِي الْحَجِّ) وَذَكَرَ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهًا آخَرَ غَيْرَ هَذَا. وَإِنْ مَاتَ الْمُتَمَتِّعُ الْعَاجِزُ، عَنِ الصَّوْمِ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: يَتَصَدَّقُ عَمَّا أَمْكَنَهُ صَوْمُهُ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِمُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الشَّافِعِيِّ. وَقِيلَ: يُهْدِي عَنْهُ. وَقِيلَ: لَا هَدْيَ عَنْهُ، وَلَا إِطْعَامَ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ: إِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَلَمْ يَشْرَعْ فِيهِ، حَتَّى قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ هَلْ يَنْتَقِلُ إِلَى الْهَدْيِ؟ ; لِأَنَّ الصَّوْمَ إِنَّمَا لَزِمَ لِلْعَجْزِ عَنِ الْهَدْيِ، وَقَدْ زَالَ بِوُجُودِهِ، وَهَذَا إِنْ وَقَعَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ. أَمَّا إِنْ وُجِدَ الْهَدْيُ، بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ، فَهُوَ مَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ، عَنْ أَحْمَدَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا كَلَامَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، وَلَا نَصَّ فِيهِ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ صَوْمَ السَّبْعَةِ الَّذِي لَمْ يُعَيَّنْ لَهُ وَقْتٌ لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ، إِلَى غَيْرِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
هَذَا هُوَ حَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ، بِغَيْرِ النَّذْرِ مَعَ كَوْنِهَا مَنْصُوصًا عَلَيْهَا فِي الْقُرْآنِ.
أَمَّا الدِّمَاءُ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ حُكْمُهَا فِي الْقُرْآنِ، وَقَدْ قَاسَهَا الْعُلَمَاءُ عَلَى الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ، فَمِنْهَا: دَمُ الْفَوَاتِ. فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ»، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ أَمَرَ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ، وَهَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ حِينَ فَاتَهُمَا الْحَجُّ، وَأَتَيَا يَوْمَ النَّحْرِ: أَنْ يُحِلَّا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ يَرْجِعَا حَلَالًا ثُمَّ يَحُجَّانِ عَامًا قَابِلًا، وَيُهْدِيَانِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.
فَقَدْ قَاسَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: دَمَ الْفَوَاتِ عَلَى دَمِ التَّمَتُّعِ حَيْثُ قَالَ: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَقَوْلُ عَمَرَ «ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ»، لَا يَظْهَرُ فِي الْفَوَاتِ ; لِأَنَّ الْفَوَاتَ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِانْتِهَاءِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، اللَّهُمَّ إِلَّا إِنْ كَانَ عَاقَهُ عَائِقٌ، وَهُوَ بَعِيدٌ، بِحَيْثُ لَوْ سَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، فَحِينَئِذٍ قَدْ يَصُومُهَا وَكَأَنَّهُ فِي الْحَجِّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْفَوَاتُ فِعْلًا، وَإِنْ كَانَ الْفَوَاتُ مُحَقَّقًا وُقُوعُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَوَجْهُ قِيَاسِ: دَمِ الْفَوَاتِ عَلَى دَمِ التَّمَتُّعِ، حَتَّى صَارَ بَدَلُهُ مِنَ الصَّوْمِ كَبَدَلِهِ.